وبناءً على كون الإنسان سيّد مصيره وكائناً علمانياً، فإنه لابدّ لهذا الإنسان من أن يتمتع بحريّة وضع القوانين وتغيير القيم والقضاء على التقاليد الاجتماعية، واختراع الثقافة وتأديب الطبيعة وإعادة ترتيب النظام الطبيعي في الكون لا لشيء إلاّ لإرضاء احتياجاته وتلبي مطالب نفسه الحيوانيّة الأمّارة بالسوء. ولابدّ من أن نشير هنا إلى أنّ احتياجات الإنسان يمكن أن تتغيّر وتختلف من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل. وقد لايمكن بالضرورة التوفيق بينها وبين احتياجات الآخرين. ويعمل الدين من جانبه على تزويد الإنسان بوسائل أفضل للحصول على معرفة حقيقيّة لليقين. وأفضل الطرق هو تطبيق المعرفة تطبيقاً سليماً. وقد سبق أن بيّنا في هذه الورقة أنّ استعمال الحكمة يؤدي باستمرار إلى إقامة العدل الذي يمثّل الأساس الوطيد لمجتمع منظّم حيث يمكن أن يخيّم السلام حيثما المجال لتحقق التقدّم والتطوّر من أجل فائدة الجميع بصرف النظر عن العنصر أو الثروة أو المكانة الاجتماعية. أمّا الثقافة الجديدة فتتناقض بصورة تامّة مع ذلك. والعَوْلمة الثقافية فلسفة تستعين بالفلسفة المادية العلْمانيّة(فالمهم هو اللحظة العاجلة)([448]). وهي لا تعترف بحقيقة مطلقة أو بواقع ميتافيزيقي. والدين والثقافة عندها من صنع الإنسان، ومن هنا فإنّ حريّة الإنسان في تغييرهما وفق مشيئته ستؤدي دائماً إلى تغيّر نحو الأسوأ. وينظر إلى حريّة الإنسان على أنها حقّه في استخدام جسده وثروته دون أيّ ضوابط أخلاقيّة أو حدود ترسمها قواعد الأخلاق بالطريقة التي يمليها الدين الإسلامي. وكنتاج لهذه الماديّة العلْمانيّة فإنّ الثقافة الجديدة تنادي بالعلْمنة وإكساب الحياة طابعاً عصرياً. وينطوي ذلك على تغيير مستمر وإعادة صياغة متواصلة للقواعد الاجتماعية والسلوك الإنساني. ولذا فإنّ الخصائص الرئيسة لهذه الثقافة هي العلْمانيّة والحداثة والفلسفة الماديّة والفرديّة والاستهلاكيّة. وقد تساعد هذه المظاهر في دفع التنمية إلى الأمام في البلدان الغنيّة