الأثرياء موسعة بذلك من الهوّة بين الموسرين والفقراء بحيث يصبح الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً. ويتربع هذا التفاوت المتزايد في توزيع الثروة تجديداً على قمّة أجندة العَوْلمة كما تطرحها البلدان الصناعيّة. ومن الجليّ أنه إذا أريد لمن(لا يملكون) أن يحصلوا على نصيب عادل، فإنّ(الذين يملكون) لابدّ وأن يخسروا. وتعدّ العَوْلمة بآمال عراض للقلّة ومستقبل قائم للأكثرية من بني الإنسان. وهو مستقبل لن يتيسر فيها لسواد الناس حظ أوفر من أن يكونوا أتباعاً للشركات الجبّارة متعددة الجنسيّات. وللتغيير السريع في تكنولوجيا المعلومات تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية والثقافيّة والدينيّة للأمم الفقيرة([447])، ولاسيما المسلمين الذين جرى غزو نظرتهم الإسلامية إلى العالم في محاولة لعلمنتها. ويتمثل خطر العَوْلمة الثقافيّة في أنّ العَوْلمة نفسها شكل آخر من أشكال الاستعمار الذي يتخطّى الجانب الماديّ من الحياة إلى لبّ الحياة ذاتها أي إلى العقل البشريّ والنفس الإنسانية. إنّ العَوْلمة تستهوي الشهوات بقوّة كما تثير الرغبات الجسديّة والرغبات الشبقة الجامحة. وتستهدف كل فرد في المجتمع سواء كان ذكراً أو أنثى، طفلاً أو راشداً، متعلماً أو غير متعلّم، بريئاً أو مجرماً، غنياً أو فقيراً. إنّ أدواتها القويّة في الاتصال وطرائقها المتطورة في نقل الأخبار وبثّ الأفكار عبر الحدود الوطنيّة والحواجز الماديّة، توفّر مجالاً سهلاً ومباشراً للوصول إلى العقول البشريّة عَبرَ الطّيْف الاجتماعي بأسْره. أمّا ما يجعلها جذابة للإنسان الحديث فهو مقاربتها التحرريّة للحياة. فليس ثمّة من قيود على ما يستطيع المرء فعله(التحرريّة أو الليبراليّة)، ولا من حدود لما يتمكن المرء من قوله(حريّة التعبير)، ولا من تجديد لما يقدر المرء على استهلاكه(النزعة الاستهلاكيّة) ولا من قيد على ما في وسع الإنسان أن يحوزه(الربا والميسر).