تُمحَق مُدَّخراته التي قضى حياته في تجميعها. لقد أخفق المجتمع الغربي في التمييز والتفرقة بين الحريّة وإطلاق الحبل على الغارب. فالحريّة تمثل حقّ الاختيار بين الأمور التي أحلـّها الله، بينما يعني الانفلات ممارسة الحقّ في اختيار أي شيء مهما كان نوعه سواء كان حقاً أو باطلاً، خيراً أو شراً، عدلاً أو جوراً. ولا مِراءَ في أنّ من شأن هذه النوازل التي تعزى إلى ما يسمّى الحريّات أن تحدث أثرها في أولئك الذين يسيئون الاختيار إمّا بدافع الجهل أو الحرمان من حريّة الاختيار. وبخلاف مفهوم الله كما تراه الفلسفة الأرسطوطاليّة([440])؛ فإنّ الله في الإسلام هو الخلق الكون ورازقه. ويشارك في كل مظهر من مظاهر هذا لخلق وإفناء جميع الكائنات وإعادة خلقها بما في ذلك الحياة البشريّة. والواقع أنّ الله يخلق العالم الماديّ ويُفْنيه ويعيده خلقاً جديداً في كل الأحوال والظروف([441]). وتؤكد نظرة الإسلام إلى العالم على الإيمان بالنبوّة على أنها السبيل الذي يتّصل الله من خلاله بالإنسان الذي هو خليفته في الأرض. إنّ هذا الاعتقاد والممارسة الدينيّة هي ما يميّز الثقافة الإسلامية التي تحاول العَوْلمة الثقافيّة القضاء عليها من خلال تكنولوجيا الإعلام والاتصال وعدد غفير من الطرائق المتطورة القائمة على الفلسفة الماديّة للحياة. وقد ألمحنا فيما سلف من مناقشة إلى الحقيقة التي مؤداها أنّ المنتجات الغربيّة الثقافيّة تحدث تأثيراً كبيراً في أنماط حياة الناس ومواقعهم تجاه ثقافتهم الخاصة. ولا مشاجّة في أنّ إمكانية الوصول على نطاق واسع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال مكّنت الأمم الغربيّة من تصدير – فلسفتها العلْمانيّة إلى البلدان(النامية) وبخاصّة الأقطار الإسلامية منها. فثمّة أفكار مثل الحداثة والنزعة الاستهلاكيّة والفرديّة والتّصوّر الغربي لحقوق الإنسان والحريّة، وجدت سبيلها إلى عقول الناس بصرف النظر عن الأثر السلبي الذي قد تحدثه هذه المفاهيم في