في استخدام فلسفة ماديّة نسبيّة في محاولة للوصول إلى معرفة حقيقيّة لليقين لمساعدة الإنسان في كيفيّة ممارسته لحريته في الاختيار. وهذا هو ما يميّز نظرة الإسلام للعالم عن نظرة الغرب العلمانيّة الحديثة لهذا العالم. إذ بينما تدرك الأولى هذه المصادر للمعرفة وهي التفكير السليم والتجربة السليمة وحجية القرآن وشخص النبي(صلى الله عليه وسلم) فإنّ الثانية تتعرّف بصورة رئيسة على مصدرين للمعرفة. وهما: المنطق والتجربة. وطبقاً لهذه الفلسفة المادية فإنّ من المستحيل وجود حقيقة مطلقة أو يقين؛ ولذلك لايمكن إثبات حقيقة دون منطق أو تجربة. وبكلام آخر لابدّ وأن تكون الحقائق تجربيّة وقابلة للإثبات عن طريق المنطق والتجربة. وإذا تمّ تعريف المعرفة على أنها وصول الروح إلى معنى الأشياء كما يقول العطـّاس والقدرة على التعرّف على المكان الملائم للأشياء في نظام المخلوقات بحيث تؤدي إلى تبيّن المكان المناسب لله في منظومة الوجود. فإنّ تطبيق تلك المعرفة لابدّ وأن يعني وضع الأشياء في مكانها المناسب. أمّا وضع الأشياء في أماكنها المناسبة حسب ترتيبها في نظام الخَلْق، فيسمّى الأدب، وهو يمثل أساس العدل وهذه هي الحصيلة الطبيعيّة لحرية الاختيار. وتعني فقدان حرية الاختيار عدم القدرة على وضع الأشياء في أماكنها المناسبة في منظومة الخلق. ويسمّى هذا الجهل والظلم. وإذا ما سمحت عَوْلمة الثقافة للإنسان بتغيير الترتيب الإلهي في الخلق عن طريق إخفاق الإنسان في وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، فإنّ من شأن الثقافة الإسلامية بل من واجبها عدم التردد في رفض ذلك. ولا يعدو هذا التصور الخاطيء لحرية الإنسان كونه انحرافاً خطيراً عن تعاليم الإسلام كما أنزل في القرآن الكريم.