ويبيّن تحليل متأنِّ لمعنى الثقافة أن الثقافة ليست سوى بيئة جديدة أوجدها الإنسان في محاولته العيش براحة وسط البيئة الطبيعيّة التي خلقها الله بالنسبة لمن يؤمنون بالله أو أوجَدتْها »الطبيعة« في نظر أولئك الذين يعزون كل شيء إلى الطبيعة. وفي إيجاده لهذه البيئة أو المحيط الجديد يحاول الإنسان إعطاء شكل لحياته حسب حاجته وقدرته على التكيّف. وتنطوي هذه العمليّة على إيجاد موطن له وتطوير وسائل ينتقل بها، وإيجاد لغة للتخاطب وصنع أدوات لإنتاج الغذاء وأسلحة لحماية نفسه من الأعداء وفنون لأظهار مواهبه في تقدير جمال الطبيعة. وكلما ازداد الإنسان صعوداً في معارج التطوّر أصبح محيطُهُ أكثر ارتقاءاً. ولهذا السبب فإنّ الثقافة تتفاوت بين جماعة وأخرى بيد أنها تبقى مع ذلك الهويّة التي يتّصف بها الإنسان نفسه. ولنفس السبب كذلك، فإنّ باستطاعة المرء أن يرى أنه بالرغم من وحدة نظرة الإسلام إلى العالم فإنّ هناك تنوعاً في الثقافات الإسلامية في شتّى أنحاء الأرض. وإذا نظر الإنسان بـإمعان إلى الحضارة الغربيّة فإنه يستطيع أن يرى بسهولة الأثر العميق للماديّة العلمانيّة الحديثة في طبيعة هذه الثقافة ذاتها وكذلك في تطوّرها. لقد مرّت الثقافة الغربيّة بتغيرات عديدة من الثقافة القديمة والكلاسيكيّة إلى الحداثة ومنها إلى مابعد الحداثة. أمّا الحالة الراهنة لذلك التغيّر فتتمثل في العَوْلمة. وفي الإسلام تنمو الثقافة لتبلغ درجة النضوج في ظلّ الهداية الدينيّة، إلاّ أنّ الدين ذاته كمصدر للثقافة جاء مكتملاً ولا يمكن تغييره أبداً([424]).ولذلك فإنّ المظهر الوحيد للمجتمع الإسلامي القابل أو المعرّض للتغيّر والتطوير هو مانسمّيه الثقافة التي هي بيئة الإنسان المخلوقة بشطريها المادّي وغير المادّي. وبعبارة أخرى فإنّ ما يصوغه الإنسان نفسه ويشكّله ويطورّه ولكن بصورة تنسجم ومبادئ التوحيد، بما فيها بعض المعتقدات والممارسات الدينيّة