(ومن امتنع عن الجزية أو قتل مسلما أو سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو زنى بمسلمة لم ينقض عهده). ثم يستدل على هذا المرغيناني في كتابه بعبارة تالية:(ولنا أن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر منه، والكفر القارن لا يمنعه، فالطاري لا يرفعه)([66]). ومن الواضح أن هذا حكم لانتقاد ليس فيه التنقيص أو الإهانة، فإن كانت فيه السائة والمساس بشانه صلى الله عليه وآله وسلم فله حكم آخر، وقد روي عن عرفة بن الحارث أنه مر بنصراني من أهل مصر يسمى(مندقون) فدعاهم إلى الإسلام، والنصراني ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأساء إليه:(فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتناول). فرفع الأمر إلى عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – فطلب ابن عباس عرفة، وقال:(أعطيناهم العهد) فرد عليه عرفة، قائلا: (معاذ الله أن نكون أعطيناهم العهود والمواثيق على أن يؤذونا في الله ورسوله، إنا أعطيناهم على أن بينهم وبين كنائسهم يقولون فيها ما بدالهم، وأن لا نحملهم ما لا طاقة لهم به، وأن نقاتل من ورائهم، وأن يخلي بينهم وبين أحكامهم إلاّ أن يأتونا، فيحكم بينهم بما انزل الله)([67]). هذا حكم إذا كانت دعوتهم موجهة إلى المسلمين لصرفهم عن دينهم الإسلامي، إلى الدين المبنى على الكفر، أما إذا كانت دعوتهم فيما بين أفراد الديانات الأخرى غير المسلمين، فالإسلام لا يفرص الحظر على ذلك، ولا يعترض على أن يعتنق أهل دين دينا آخر، ويبدل دينه القديم، وقد سبق قول الإمام مالك – رحمه الله – في شرح حديث الارتداد. والإسلام يعطي الجميع حرية مجاهرة الرأي، والانتقاد المتزن الرصين، ورفع الاحتجاج والعقيرة، قال تعالى:(لا يحبُّ الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظلم وكان الله سميعاً عليماً)([68]).