الإنسلاب العولمي ذلك أن الثقافة ـ في فلسفة المعاني ـ هي مقياس كل شيء في أي بناء حضاري. وما لم يعد تحديد العلاقة الصحيحة التي تربط بين العلم بمفهومه الإسلامي، والثقافة بمعناها الحضاري الدقيق والعميق، فإن كل طرح لقضية الثقافة في عالمنا الإسلامي، سيظل طرحاً بلا مقدمات سليمة، ومن ثم يقود إلى نتائج خاطئة كما هو حالنا اليوم. 3ـ رسالة المثقفين المسلمين إن مما لا جدال فيه، أن العولمة بجميع مفاهيمها، وخاصة مفهومها الثقافي الشمولي، هي نظام ينطلق من العقل في اتجاه العقل الإنساني العام، قصد إعادة تشكيل تفكيره، وبالتالي صياغة تعامله مع الأشياء ومع القيم. وإذا كانت هذه العولمة الوافدة إلينا من الغرب الحضاري لا تقتصر على عالم الأشياء المحايد، بل تتجاوزه إلى عالم الأخلاق والقيم، فإن أبشع ما يميز هذه العولمة، هو التعصب لكل ما هو غربي ورفض ما سوى ذلك على زعم أن ما عندهم صواب وما عند غيرهم باطل. من هنا جاءت الحاجة إلى تحديد مكانة المثقفين المسلمين في مواقعهم الأصلية، والإضطلاع بالدور القيادي التغييري المنوط بهم داخل مجتمعاتهم من أجل العمل على تحصين الذات، والتصدي للعولمة. ويهمنا أن يؤكد هنا على أن حرصنا على تبوّء المثقفين لمكانتهم، واضطلاعهم بالدور الحاسم في عمليتي التغيير والبناء، إنّما ينبع من حقيقة هامة، وهي أن العولمة الثقافية بمفهومها الغربي هي بمثابة الدبابة الكاسحة لكل الخصوصيات والمميزات، وحاملة في معناها لكل ما هو شمولي في السياسة والإقتصاد، والأخلاق، مادامت الثقافة المتخصصة هي المدلول عليها ـ في الغرب ـ كمسعى للتمكين للعولمة في مواجهة العالمية، والشمولية التي تطبع الثقافة الإسلامية.