وبعدها الخلقي، بدء بالبيت، والمحيط بجميع مكوناتهما التربوية، والإشهارية، والإعلامية، وانتهاء بالمدرسة والثانوية والجامعة. لقد أخلت هذه المؤسسات جميعها بجانبيها التربوي والخلقي، تحت عوامل شتّى، واختزل دورها في تلقين معلومات للناشئة، مشحونة بمفردات جامدة، ومعاني ميتة، منقطعة الصلة بالواقع الديني، والخلقي، والحضاري، وصانعة لإنسان لا انتماء له ولا لون، مشوه القسمات، عولمي اللمحات، أسمر السحنة، غربي الشحنة. كما تخلى البيت عن مهمة تحصين الذات، ذات الطفل ضد عواصف العولمة الهوجاء، فوجدت فيه الجسم الهش الذي لا يصمد أمام أقل التيارات هبوباً، فكان ما نلاحظه من تلقي سلوك تقليدي في بيته، وتصرف أهوج متحلل من كل القيم والمبادئ، بإسم الحرية الأخلاقية ولا عجب ـ إذن ـ أن نجد في مجتمعنا الإسلامي، اليوم، تحت وطأة التمزق النفسي، من يثور على السلوكيات والأخلاق التي تبثها الأسرة، كالأمانة، والصدق، والعفة، والوفاء والوطنية، فيأتي سلوك الناشئة مناقضاً لكل هذه القيم، ويطالب بحرية الجنس خارج مفهوم الزوجية، ويدعو إلى الغش والخديعة في التعامل الإقتصادي، تحت غطاء إقتصاد السوق، ويبيح لنفسه التعامل المشين مع أعداء وطنه بإسم دافع المنفعة. وما يقال عن البيت ينسحب على كل المؤسسات الثقافية من مدرسة، وجامعة، وإذاعة، وتلفزة، وكلها تساهم في زعزعة الشخصية، واهتزاز المفاهيم، ودبدبة الإنسان عندنا في انتمائه بحيث يصبح مذهبه في الحياة ـ أن لا مذهب له ـ. يحدث كل هذا، بعد أن فقدت الثقافة مدلولها الصحيح تحت معول العولمة، وبعد أن أقصى المثقفون من دائرة الحكم، في أوطانهم، وحكم عليهم بالتهميش من بعض الوصوليين، الإنتهازيين، الفاقدين للإنتماء، والمطعمين بفيروس