بفكرة وجوب التخلص من قيود الأسرة، والمجتمع والدين، تحت زعم التحرر من الكبت، والوصاية، والتبعية. وتنتهي المحاولات كلها إلى عدم قبول الآخر لمواصفاته وإلغاء خصوصيته الثقافية، والدينية، التي هي الكامن خلف نظام الأسرة، والزواج، والتكوين، وبناء العلاقات الاجتماعية. وهنا بالذات تبرز مسؤولية المثقفين في واقعنا الفكري الإسلامي؛ فما يزال المثقفون عندنا مختلفين حول كيفية التعامل مع العولمة خصوصاً في المجال الثقافي. ففي حين استسلم بعض المثقفين عندنا لمعزوفة وحدة الثقافة مستسلمين لفكرة أن العولمة حتمية لارادّ لها، وبذلك دعوا إلى الإنضواء تحت لوائها على اعتبار ان الثقافة مفهوم انساني، وأن المنتوج العقلي قاسم مشترك بين الجميع، وهو أعدل قسمة بين الناس، فلا غضاضة، إذن، أن يندمج الجميع على اختلاف معتقداتهم، وخصوصياتهم العرقية واللغوية ضمن الثقافة الإنسانية الشمولية، العولمية. ويقف ـ بالمقابل ـ البعض الآخر من مثقفينا، موقف الرافض لثقافة العولمة، لا بوفصها ثقافة إنسانية كما يروج لها ظلماً، وإنّما لكونها ثقافة غازية تحمل بين طياتها فيروس الهدم للثقافة الأخرى بقيمتها وعقيدتها، وخصوصيتها، وهو ما يعتبر نوعاً من الاستعمار الثقافي الجديد. والسؤال الهام، أين يكمن الخلاص؟ وكيف يمكن تجاوز مرحلة التأزم، إلى مرحلة اكتساب المناعة؟ كل شيء يبدأ ـ من وجهة نظرنا ـ بالتحصين، تحصين الذات، والوعي بكينونتها. وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ماسة إلى البدء ـ في عملية التحصين ـ بوجوب إعادة النظر في منظومتنا المنتجة للقيم، والحاضنة للإنسانية، بمفهومها العقدي،