بلدان منشئها، ويختلف مطلقوها في تعريف دقيق لها، ومنها مصطلح الحداثة. فما هو موقفنا من الحداثة؟ وأين مجتمعنا منها؟ الحداثة مصطلح غربي، نشأ في إطار الثورة الثقافية على المفاهيم الغربية التي كانت سائدة في القرنين الماضيين بدءًا من الثورة الفرنسية وما بعدها، وقد أنتجت الحداثة منظومة ثقافية مادية انعكست على نمط الحياة في الغرب الأوروبي والأمريكي، بالإغراق في ملذات الجسد مع إبعاد الإيمان ومتطلبات الروح بشكل كامل، وجاءت كردة فعل على نظام الاكليروس وسلطتهم، وقد سلكت طريق العلوم التجريبية، فحققت إنجازات كبيرة على مستوى هذه العلوم، وترافقت معها المادية الاجتماعية فأنتجت علومها. وقد كثُر الحديث في العقدين الماضيين عن مرحلة جديدة بدأت بالتكون، وهي مرحلة ما بعد الحداثة، ويقصدون بها إعادة الاهتمام بالمسألة الروحية بسبب الفراغ القاتل الذي أنتجته مادية الحداثة، كما يعتبر بعض آخر بأنها رفض للمادية باتجاه إنجاز جديد لم تكتمل صورته، وهو يحمل تناقضات وتفاعلات كثيرة لا يمكن الحكم على نتائجها إلاّ بعد تبلورها واتخاذها لصيغ محددة. وبما أننا لم نمر في منطقتنا بالمراحل التي مرت بها أوروبا وأمريكا، وهو ما أنتج الحداثة التي تُهيء لما بعد الحداثة، ولم نعاني مما عانوا منه في السابق، حيث بقيت مجتمعاتنا الإسلامية متأثرة بالإسلام، وإن عاشت التخلف في الميادين العملية، وتراجع موقعها بسبب واقعها، وبسبب ما أنتجه الاستعمار الجديد من تفكيك وسيطرة عليها، وقد فشلت الأفكار المستوردة من المعسكرين الرأسمالي والشيوعي في إحداث تغيير لمفاهيم وعادات مجتمعاتنا، بحيث لم تتحول هذه المجتمعات إلى المادية الاجتماعية الغربية وإن تأثرت ببعض آثارها، لكنّ منظومة الحداثة الغربية