فكرية تشكل الرصيد الذي يتكئ عليه العالم، وينطلق منها لتحليل الظواهر وللتوصل إلى الاستنتاجات، وعندما تكون معياريته مادية الإنسان وأولوية تلبية رغباته ليكسب الفترة الزمنية القصيرة التي يعيشها، فإنّ حلوله تأتي في هذا السياق المختلف عن المعيارية الفكرية الإسلامية التي تتعاطى مع الدنيا كمعبر للآخرة، ومع الإنسان بتأدية رغباته المشروعة وثنْيه عن المحرّمة منها. فما توصل إليه الغرب من قواعد في العلوم الإنسانية لا تعبر عن تراكم التجارب الإنسانية كلها، وكأنها وصلت في حالة الغرب إلى سقفها الأعلى والأفضل، بل تعبر في أكثر الأحيان عما تراكم من خصوصيات مستفادة من المجتمع الغربي نفسه. فالبحث الاجتماعي لا يعبّر عن الأدوات البحثية فقط، والتي هي عمليات عقلية لا تنتمي إلى دين أو تجربة خاصة(كالتحليل والاستقراء والحياة والطريقة العقلية في التفكير)، بل له مقدمات تسبقه، وهي تصورات الباحث ورؤيته الفكرية إلى الكون والإنسان والحياة، والتي تشكل مجموعة القيم التي ينطلق منها، لتكون الأدوات البحثية في خدمتها وأسيرة لها، وبالتالي فإن الأحكام التي يطلقها الباحث تستند إلى هذه القيم المسبقة والتي يحشد لها الأدلة في هذا الاتجاه. إذا يجب أن نلتفت إلى ارتباط ما هو مطروح عند الآخرين بالنظام الذي يؤمنون به، فلا يمكن إسقاط جزء منه على النظام الإسلامي للبحث عن توليفة بينهما، كما لا يصح نقل الأسئلة الناشئة في مجتمع غير إسلامي بسبب النظام المعتمد وآثاره، إلى المجتمع الإسلامي وكأنها مشكلته مع عدم وجودها فيه. وتستدعي الواقعية أن ندرس الواقع ونقدم الحلول له، لا أن نقع أسرى الواقع بمتطلباته، فقد تكون مطالبه مرفوضة وتحرف الشريعة عن مسارها، كما يمكن أن