تتعاطى مع الفطرة الإنسانية، وقد أعدّها الله تعالى لذلك، ولم يحدّها بالزمان والمكان، بل ترك فيها من المرونة ما يلبي حاجات اختلاف الزمان والمكان. إنّها رسالة قادرة على التحدي على مستوى العالم، وتملك مقومات إثبات أرجحيتها على ما عداها بالحجة والبرهان، فهي لا تعتمد تعطيل العقل بإسقاطات بدوية للإيمان بمسلمات غير قابلة للنقاش، ولا تنطلق من عصبيات مسبقة ترفض تشريح القناعات السابقة التي تولدت في ظروف تربوية خاصة، ولا تفرض حتميات تأريخية لمصادرة قدرة الاختيار، وإنّما تنطلق من أدلة لاثبات الإيمان بالله تعالى وما يترتب عليه، في سياق وجداني يتناغم مع فطرة الإنسان وعقله. ولعل سائلاً يستغرب، كيف لا يؤمن البشر جميعاً بهذا الدين؟‍‍! وهنا نعيده إلى مقدمات هذا البحث، ليستخلص ويستنتج بأن العقل البشري لا يصدر أحكامه بشكل مجرّد، نظراً لتأثره بالمقدمات والمنهج والأنانيات، فإذا وردت أخطاء في المقدمات أو المنهج، وسيطرت الأنانيات والمصالح، فستقف الحجب التي تمنع العقل عن التفكير الصحيح مانعة من الوصول إلى النتيجة السليمة. لقد حفظ الله تعالى القرآن الكريم من التحريف،(إنّا نحْنُ نزّلْنا الذّكْر وإنّا لهُ لحافظُون)([324])، ليوفّر مقدمات الهداية السليمة باتجاه الرسالة التي تُسعد الإنسان، فلا تكون لديه أي حجة لانحرافه أو ضياعه، وهو يتحمل مسؤولية البحث لعدم الوقوع في شرك حجب العقل والذات.