منهجية الأخذ بها عن طريق التسليم وليس عن طريق العقلنة، وإلاّ فإن التحليل واستخلاص الحكمة من أي تشريع يثبت إختزانه لأسباب مقنعة وراء تشريعه، ويحمل دلالات كافية لاثبات تفوقه على ما يغايره من حلول بديلة لفروع ناتجة عن أصول أخرى، إلاّ أن تجزئة الأحكام عن بعضها البعض وعن أصولها يُفقدها موقعها الطبيعي، ويُضعف فهم آثارها المتوخاة، التي تتكامل مع المنظومة التشريعية الكاملة والمترابطة، إضافة إلى أن الموافقة على طريق العقلنة في تفاصيل الفروع يربك خيارات الإنسان ويشوش استقراره العملي. وهل الإنسان عقلٌ مجرد لتتجه منهجية هدايته إلى مخاطبة عقله فقط؟ إنّ دراستنا لفطرة الإنسان ووقائع تجربته عبر التأريخ، تبيّن أنّه عقلٌ ومشاعر، جسد وروح، ولا بدّ لأي تنظيم ناجح لحياته أن يتعاطى مع هذه الأمور الأربعة بتناسق وتوازن بينها. فالمبدأ الملائم هو الذي يخاطب العقل بقواعد المخاطبة المنسجمة مع الاختيار الحر والمسؤول في تحديد مسار الحياة الدنيا، ويتفاعل مع المشاعر الإنسانية فيما تؤمن به وترتاح له وتحتاجه لتحقيق الاستقرار النفسي، لترسم الفروع ما يلبي حاجات الجسد بكل متطلباته، وفق ضوابط تحميه وتوصله إلى نموه الطبيعي والسليم، من دون إسراف أو تقتير، ويلبي حاجات الروح في سمو النفس الإنسانية ووصولها إلى الطمأنينة والاستقرار، الذي ينعكس في امتلاك زمام المبادرة لضبط الجسد من ناحية، وتغذية الروح وقدرتها على رفع ما يحجبها عن فلاحها من ناحية أخرى.