لتحليل عقلي من تفسير الأدلة الموجبة لها، وإن كان بالإمكان استخلاص الحكم والفوائد على سبيل الاستئناس، لا الجزم بانحصارها فيما يتم استخلاصه. ومما أعطى الخالق تعليلاً في القرآن لتحريمه: الخمر الذي كان سائداً، والميسر الذي شكّل آفة اجتماعية ضارّة، فبإبراز مخاطرهما الفردية والاجتماعية يُسهّل الامتناع عنهما، كما أنّ إمكانية استيعاب أسباب التحريم يسيرٌ على جميع الناس، فالخمر والميسر فيهما إثم كبير على الرغم من بعض المنافع التي لا تتناسب مع حجم الأضرار البالغة في حياة الناس:(يسْألُونك عن الْخمْر والْميْسر قُلْ فيهما إثْمٌ كبيرٌ ومنافعُ للنّاس وإثْمُهُما أكْبرُ منْ نفْعهما ويسْألُونك ماذا يُنْفقُون قُل الْعفْو كذلك يُبيّنُ اللهُ لكُمُ الآيات لعلّكُمْ تتفكّرُون)([314]). ومن أضرارهما إشاعة العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة:(إنّما يُريدُ الشّيْطانُ أنْ يُوقع بيْنكُمُ الْعداوة والْبغْضاء في الْخمْر والْميْسر ويصُدّكُمْ عنْ ذكْر الله وعن الصّلاة فهلْ أنْتُمْ مُنْتهُون)([315]). أمّا تحريم إتيان النساء أثناء الحيض فللأضرار التي يتسبب بها، والتحريم يتجه عادة لمنع الإنسان عن الأعمال التي تضره، قال تعالى:(ويسْألُونك عن الْمحيض قُلْ هُو أذًى فاعْتزلُوا النّساء في الْمحيض ولا تقْربُوهُنّ حتّى يطْهُرْن فإذا تطهّرْن فأْتُوهُنّ منْ حيْثُ أمركُمُ اللهُ إنّ الله يُحبُّ التّوّابين ويُحبُّ الْمُتطهّرين)([316]). وعلى العموم فقاعدة التحريم مبنية إجمالاً على حماية الإنسان من الضرر، الذي يدركه والذي لا يدركه، وهي ليست متجهة إلى حرمانه من ملذّات الدنيا المحلّلة، فالشريعة لا تقيّد الفرد لمعاقبته في هذه الدنيا، بل لحمايته فيها من الفواحش والمنكرات والعدوان والظلم والبغي والشرك والكذب والانحراف…، ولا تقبل أن يحرم الإنسان نفسه بحجة الالتزام بها، بل تستنكر عليه هذه المنهجية، قال تعالى:(قُلْ منْ حرّم زينة الله الّتي أخْرج لعباده والطّيّبات من الرّزْق قُلْ