تعليل الأحكام بما أن القرآن الكريم كتاب هداية للبشر،(ذلك الْكتابُ لا ريْب فيه هُدًى للْمُتّقين)([313])، فإنّ غرض الهداية يتحقق بوصول الشريعة إليهم والتزامهم بها، ولا إمكانية لتعليل كل حكم من الأحكام، وذلك لكثرتها وسعتها وتنوع مراميها من ناحية، ما يعني عسراً في الإحاطة الحقيقية والفعلية لكل خفايا وأسرار ودقة التشريع، ولعدم إمكانية كل فرد من استيعاب علل الأحكام، ما يؤدي إلى اعتماده على تقييم غيره ممن يثق به، وعندها لا يكون الإختيار ذاتياً وإنّما غيريّاً، فيكون الأولى أن يردّ الأمر إلى الله تعالى، ولتمايز العقول والأفهام، ما يُخضع الأحكام إلى جدل واختلاف، فيما لو كان المطلوب توفير القناعة بكل حكم، وهذا ما يبطل فاعلية الشريعة من أن تكون موجّهة ومترابطة، لأنها ستتفكك باختيارات الأمزجة المختلفة لما يُقنعها، في مقابل ما لا يقنعها. وهل تتحقق الهداية بهذه الجدلية العقلية لكل شيء؟ وهل يوجد منهج صالح للاتباع يتلاءم مع هذه الطريقة لاعتمادها في حياة الإنسان؟ وأي سبيل أرقى وأفضل من الاعتماد على عالم الغيب والشهادة الخالق الخبير الذي وسع علمه كل شيء؟ والأهم من كل هذا، أنّ الفطرة الإنسانية تتلاءم مع هذا النمط من التوجيه للهداية، بالإيمان الكلي بأهلية الموجّه، لتكون تعاليمه التفصيلية أوامراً مقبولة ومُسلّماً بها، وقد اعتمد البارئ المقدس على هذا الاتجاه، فكانت الشريعة الإسلامية حافلة بالقواعد والضوابط التي يطغى عليها التسليم، في مقابل بعض الأحكام المعلّلة لحكمه في إبراز تعليلها، ولا تتحقق الهداية الفعلية إلاّ بهذا المنهج، لوجود أسرار كثيرة يصعب إدراكها من العاجز الناقص، ولأهمية الانقياد بما له من فوائد تتكامل مع ترابط وكمال الشريعة، ولأن جزءًا مهماً من بناء الإنسان يتحقق بالأوامر العبادية والتوجيهات السلوكية، التي لا يمكن إخضاعها