إذا لا حاجة للحديث عن كل آية إذا كانت تنسجم مع العقل أم لا؟ لأن إثبات القرآن من عند الله تعالى بالدليل العقلي، يجعل كل آية مقبولة عقلاً، وهي نص من الخالق العليم الذي يخبرنا بالحقائق لا بالظنون والإحتمالات. ولا يصح إخضاع المعاني القرآنية لمستوى أفهامنا وإدراكاتنا، بل علينا أن نبذل أقصى الجهد لترقى أفهامنا إلى معاني الآيات الحقيقية ومقصد الشارع المقدّس منها، ما يستلزم العناية بإتقان اللغة العربية فالقرآن(بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ)([299])، وقد خاطب العرب باللغة التي يفهمونها وبالقواعد التي تحكمها، وعلينا اختيار المنهج الأفضل في تفسير القرآن الكريم، والذي يحقق التعاطي مع معانيه ككل متكامل، ليفسّر بعضه بعضا، وتتكامل آياته مع بعضها البعض، من ضمن رؤية شاملة فيما أراد الله تعالى أن يبلّغنا إيّاه من خلال هذا الكتاب الخالد، ولعلّنا نصل إلى مراد الخالق بالتفسير الموضوعي للقرآن الكريم، التي تُتمّمها السنة النبوية الشريفة بما ورد من أقوال وأفعال وتقرير حول المعصوم أحكام الشريعة، بما يبيّن كامل المطلوب من الأوامر والنواهي والمستحبات والمكروهات والمباحات، على أن يلتزم المفسّر قواعد الأخذ بالأحاديث المعتبرة، ما يتطلب الاعتماد على علم الرجال، كما عليه أن يعمل لتوفير الرصيد الكافي من علم الأصول وعلم الفقه وعلم المنطق… الخ، فيكون بذلك قد أشرف على الفهم القرآني، بهذه الإحاطة العملية الملائمة، التي تساعد على فهم الخطاب الإلهي للمكلفين، ولا يكفي فهم اللغة العربية وحدها لفهم القرآن بإدعاء وضوح معاني الكلمات، فسياق الآيات وظروف نزولها وارتباطها بالسنة النبوية الشريفة وما ذكرناه من مستلزماتٍ للتفسير، تشكل معطيات ضرورية لفهم المراد من النص. ولا يمكن عزل آية وحدها، لإخضاعها للتحليل العقلي بقياس مدى ملاءمتها للقناعة الشخصية، أو بتحديد مدى مقبوليتها النفسية أو المجتمعية، ففي هذه