العقل والقران القرآن معجزة الله الخالدة،(إنّا نحْنُ نزّلْنا الذّكْر وإنّا لهُ لحافظُون)([297])، وقد توصلنا إليها بالدليل العقلي، فالله جلّ وعلا خالق الكون والإنسان والحياة، أحدٌ لا شريك له، دلّت عليه مخلوقاته من خلال نظام العلة والمعلول، وبالوجدان، وقد أرسل الأنبياء لهداية البشرية، ودعمهم بالمعجزات لإثبات نبوّتهم، فحققت المعجزات أهدافها وقت حصولها، لأنها كانت مخصصة لتلك الأزمنة، إلاّ معجزة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي القرآن الكريم، التي بدأت بزمان حصولها لتستمر إلى الأبد، انسجاماً مع ختم النبوة وختم الرسالات السماوية، لتكون دليلاً دائماً من عند الله تعالى، فلم تتمكن أيدي المحرفين من تغيير أي شيء في القرآن، وهو يتحدى المعاندين أن يأتوا بحديث من مثله،(أمْ يقُولُون تقوّلهُ بلْ لا يُؤْمنُون(33) فلْيأْتُوا بحديثٍ مثْله إنْ كانُوا صادقين)([298]). فمع إثبات القرآن الكريم من عند الله تعالى بصيغته ومضمونه، نكون أمام نص صادق وصحيح، لا يأتيه الباطل من أي زاوية، وهذا ما ينطبق على كل آياته، سواء أكانت محكمة أو كانت متشابهة، تتحدث عن عالم الشهادة أو عالم الغيب، تعرض لأدلة العقيدة أو لتعاليم الشريعة، تسرد تأريخ الأمم أو تُنبئ بالمستقبل، تكشف بعض أسرار وخصائص خلق الكون أو تخفي بعضها الآخر، تقدم نماذج تفصيلية عن الحياة الآخرة أو تجمل وقائع أخرى، تربي الفرد على الأخلاق الفاضلة أو توجّه الجماعة، تدعو إلى الجهاد أو تحدد موارد الصبر. فالنص ثابت على المستوى العقلي من حيث الصدور، ويأتي التفسير وفق قواعده ليشرح المعاني المقصودة، فالاختلاف والتوصل إلى معانٍ متعددة لآية واحدة عائد لاختلاف الأفهام التي انطلقت من مقدمات أو مناهج مختلفة في التفسير أو معلومات متفاوتة.