وهل يستطيع المنكرون لنزول القرآن من عند الله تقديم دليل على مدّعاهم، بالإتيان بسورة من مثله؟(أمْ يقُولُون افْتراهُ قُلْ فأْتُوا بسُورةٍ مثْله وادْعُوا من اسْتطعْتُمْ منْ دُون الله إنْ كُنْتُمْ صادقين)([293]). فليُجل الناسُ النظر في أنفسهم وما تحمله من أسرار ودقة وتنظيم وتكامل وعظمة، وفي الآفاق وما فيها من سماء وأرض وكواكب ونجوم وليل ونهار وشجر وحيوانات وجبال وأنهار إلاّ ترشدهم إلى الخالق المدبّر الأوحد؟(سنُريهمْ آياتنا في الآفاق وفي أنْفُسهمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الْحقُّ)([294])، إنّها أدلة كثيرة تؤدي حتماً إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وهي أدلة واضحة للعيان يلاحظها أصحاب العقول السّويّة، فهل يملكون دليلاً واحداً عكس ذلك؟! وهذه شريعة الله المقدسة بين أيديهم، وتلامس فطرتهم،(فأقمْ وجْهك للدّين حنيفاً فطْرة الله الّتي فطر النّاس عليْها لا تبْديل لخلْق الله ذلك الدّينُ الْقيّمُ ولكنّ أكثر النّاس لا يعْلمُون(30))([295])، وتقدم لهم الأكمل(الْيوْم أكْملْتُ لكُمْ دينكُمْ وأتْممْتُ عليْكُمْ نعْمتي ورضيتُ لكُمُ الإسلام ديناً)([296])، وهي تتناغم مع عقولهم لتقنعهم بأنّها شريعة الهداية والخلاص والسعادة. إنّها غير محجوبة عن عامّة الناس لخواصهم، فهي للجميع من مختلف الفئات العمرية بحسبها، من الطفولة إلى الشيخوخة، وللجنسين الذكر والأنثى، بشمولية وإشتراك وتوازن وتفاوت محدود فيما يتطلب التمايز بينهما، وهي تتجه إلى المكلفين البالغين في تحميلهم المسؤولية، لأنهم قادرون على الإختيار وتحمل التبعات، وتنطلق من تأسيس الاعتقاد بالله تعالى من دلالة العقل عليه، ليكون الالتزام بالشريعة ثمرة القناعة، لا التسليم المسبق أو تعطيل التفكير، أو الغرق في إسقاطات ماورائية لكل ما في الحياة من دون أدنى فسحة للاقناع أو الدليل.