وعندما يفتقر الطرف الآخر إلى أدنى قواعد الحوار، ويتلاعب بالألفاظ والوقائع، ليوهم الناس بوجود الدليل لديه، يتمُّ الإنتقال إلى الدليل الأوضح، بالألفاظ والوقائع التي لا تسبّب التباساً، ولا يستفيد منها الخصم في التدليس على الحاضرين. وهذا ما ينطبق على حوار النبي إبراهيم عليه السلام مع النمرود الذي ادّعى الربوبية، حيث حاجّه إبراهيم عليه السلام في أنّ الله هو الخالق الذي يحيي ويميت، فأجابه النمرود بأنه هو الذي يحيي ويميت، وطلب من جنده أن يحضروا له سجينين، فقتل احدهما بزعم أنّه يميت، وأفرج عن الآخر بزعم أنّه يحيي، عندها قال له إبراهيم عليه السلام بأن الله يأتي بالشمس من المشرق فآت بها من المغرب، فحار النمرود جواباً وسقط ما بيده، قال تعالى:(ألمْ تر إلى الّذي حاجّ إبْراهيم في ربّه أنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْك إذ قال إبْراهيمُ ربّي الّذي يُحْيي ويُميتُ قال أنا أُحْيي وأُميتُ قال إبْراهيمُ فإنّ الله يأْتي بالشّمْس من الْمشْرق فأْت بها من الْمغْرب فبُهت الّذي كفر واللهُ لا يهْدي الْقوْم الظّالمين)([286]). كما يتّخذ البعض الحوار طريقاً للتعجيز، بسبب ضعفه في سوق الأدلة المقنعة، وعدم رغبته أو عدم قدرته على الإنسحاب من المواجهة، فيبدو للوهلة الأولى بأنه يريد الحوار، لكنه ينكشف عند المحاججة على حقيقته. فهذا نموذج لمن ينهج الأسلوب الفاشل من دون أن يعتبر ممن سبقه، ذلك بأنهم قوم يجهلون، لم يطّلعوا على الأدلة التي أسقطت منطق من سلفهم، قال تعالى:(وقال الّذين لا يعْلمُون لوْلا يُكلّمُنا اللهُ أو تأْتينا آيةٌ كذلك قال الّذين منْ قبْلهمْ مثْل قوْلهمْ تشابهتْ قُلُوبُهُمْ قدْ بيّنّا الآيات لقوْمٍ يُوقنُون)([287]). وذاك نموذج آخر لمن ينتقل من مطلب إلى آخر، إذ كلّما فشل في دليل لجأ إلى دليل آخر، إنّهم الكافرون أولاً وأخيراً، قبل الدليل وبعده، لكنّهم يناورون، قال تعالى:(ولوْلا أنْ تُصيبهُمْ مُصيبةٌ بما قدّمتْ أيْديهمْ فيقُولُوا ربّنا لوْلا أرْسلْت إليْنا رسُولاً