الأصول من التوصل إلى القواسم المشتركة في بعض الفروع، لكنّنا نشير إلى هذه المعضلة التأريخية التي تحتاج إلى حل، على أن لا تتحول إلى سبب لزيادة الخصومة والإنقسام، وما يساعد على ذلك، إتباع أسلوب الحوار الذي دعا إليه القرآن(ادْعُ إلى سبيل ربّك بالْحكْمة والْموْعظة الْحسنة وجادلْهُمْ بالّتي هي أحْسنُ)([284]). أهمية المنهج والمقدمات لقد بيّن لنا القرآن بعض نماذج الحوار العقلي والمتسلسل في العقيدة، حيث لم يقتصر أداء الأنبياء مع أقوامهم على المعاجز، التي استهدفت إيجاد صدمة لإيقاظ العقل، وتحريره من الموروثات الخاطئة، وإطلاق العنان له للتفكير والاختيار، بل ركّزوا في دعواتهم على محاكاة الفطرة الإنسانية، وتقديم الأدلّة المقنعة لما يحملونه من إيمان. من الأمثلة على ذلك، حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه، بتفنيد عقيدته وإبراز ضعف أدلتها، وإظهار متانة أدلة الإيمان الإبراهيمي، المستند إلى وقائع موضوعية يراها جميع الناس، في رد الأمور إلى الخالق، الذي يهدي ويطعم ويسقي ويشفي ويميت ويحيي ويغفر يوم القيامة. قال تعالى:(واتْلُ عليْهمْ نبأ إبْراهيم(69) إذ قال لأبيه وقوْمه ما تعْبُدُون(70) قالُوا نعْبُدُ أصْناماً فنظلُّ لها عاكفين(71) قال هلْ يسْمعُونكُمْ إذ تدْعُون(72) أو ينْفعُونكُمْ أو يضُرُّون(73) قالُوا بلْ وجدْنا آباءنا كذلك يفْعلُون(74) قال أفرأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تعْبُدُون(75) أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدمُون(76) فإنّهُمْ عدُوٌّ لي إلاّ ربّ الْعالمين(77) الّذي خلقني فهُو يهْدين(78) والّذي هُو يُطْعمُني ويسْقين(79) وإذا مرضْتُ فهُو يشْفين(80) والّذي يُميتُني ثُمّ يُحْيين(81) والّذي أطْمعُ أنْ يغْفر لي خطيئتي يوْم الدّين)([285]).