أنْزل اللهُ قالُوا بلْ نتّبعُ ما ألْفيْنا عليْه آباءنا أولوْ كان آباؤُهُمْ لا يعْقلُون شيْئاً ولا يهْتدُون)([283]). إنّ دائرة تقليد الأبناء للآباء بتعطيل التفكير والاختيار، أوسع بكثير من التقليد في بيئة الأسرة، فهي تطال كل"ابن" في التقليد لكل"أب" مقلّد، فقد يكون المقلّد فرداً أو جهة أو حزباً أو جماعة أو نمطاً… وقد يكون التقليد لجاهلية أصنام الحجارة وعبدة النار في القرون السابقة، كما يكون لجاهلية أصنام الشهوة والمال والحتميات الفكرية المعلّبة والعصبيات العائلية والطائفية والحزبية والقومية… هنا يتركّز البحث عن الأصول لا عن الفروع، وعن العقيدة لا عن مترتباتها، فإذا بنى الفرد منظومته الفكرية بالموروث العقائدي أو بالإلتزام بالتقاليد الموروثة التي يرعاها الزعيم ويورثها إلى منْ بعده، فإنّ النقاش حول بعض التفاصيل التطبيقية لا يحقق فائدة تُذكر، طالما أنها فروع يغلب عليها طابع الإلتزام التسليمي، سواءً اتخذ هذا الالتزام معنى العبادة، أو اتخذ معنى التقاليد والاعراف المقدسّة، أو اتخذ معنى السلوك المتوافق مع المقدمات الأولى. فالماركسي ملحد بالله تعالى، ويعتقد بالمادية التأريخية الحاكمة على الحياة البشرية، من دون قدرة لأحد على تغييرها، ويتصرف في حياته اليومية على أساس مادية الحياة ونهايتها بالموت، فلا ينفع حواره في نقد السلوكيات الغارقة في المادية، لأنها تحقق بنظره دنياه المحدودة والنهائية، بل يجب البدء معه بالنقاش من المبدأ الأول، أي من الخالق، لحسم النظرة الأساسية نحو طبيعة الكون والإنسان والحياة، وموقعها من الخالق، وحدودها في الدنيا وما بعدها، فإذا رفض الحوار، أو لم يلتزم فيه بالبديهيات العقلية للإنطلاق من قاعدة مشتركة توصل إلى نتيجة ما في الحوار، يكون قد سدّ الباب العقلي، بحسب القاعدة المذمومة التي تحدّث عنها