والرضوخ له ولو بالمحاصرة والردع الشامل تحقيقاً لقيادة العالم والهيمنة على مقدراته الاقتصادية وتوجهاته السياسية والثقافية. وكان من أوائل من طاله هذا الأمر هو المنظومة الدولية ومؤسساتها وقوانينها العالمية والإقليمية، فليس بعيداً عنّا ما آلت إليه منظمة الاُمم المتحدة ومجلس أمنها بعد أن تمرّد أغلب أعضائها الدوليين على النهج الأمريكي القسري، وتحويلها بقوانينها ودولها الكبرى والصغرى إلى أشبه ما تسمّى بالمؤسسة الخيرية التي يجب أن تخدم عملية العولمة الأمريكية بمنطق القوة الاستكبارية; وتبعاً لذلك انهارت كل المنظمات الدولية الأخرى سواءً كانت قائمة على أساس مبدأ دولي عام أو إقليمي خاص كمنظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول الإسلامية وجامعة الدول العربية وأمثالها، فقد وصل الأمر ببعض هذه المنظمات ودولها إلى أن تستجدي أمريكا لتسمح لها بأن تجتمع في إطار مسمى وجودها إبقاءً لماء وجهها أمام شعوبها، بل أن بعضها أخذ يسوّق للأهداف الأمريكية علناً أو من وراء ستار من أجل تحقيق كل ما يمكن أن ينسجم مع تلك الأهداف حفاظاً على وجودها من التغيير، أو الزوال أمام الثور الأمريكي الهائج. وقد يتساءل البعض عن الأساس الآيديولوجي الذي انطلقت أمريكا وحلفاؤها منه لسلوك هذا النهج الصارخ في الاستبكار العالمي حتى على المنظومة الأوربية التي تشاركها في مفهومها الحضاري الغربي في سياسة العالم، والتعامل مع دوله ومنظوماته. ويجد السائلون ـ على اختلاف مبانيهم ـ الجواب الشافي لهم فيما يقوله لنا »فرانسيس أنتوني بويل« استاذ القانون الدولي، وعضو برنامج الحد من الأسلحة ونزع السلاح والأمن الدولي بجامعة »إلينوي« في أمريكا في كتابه: »مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية«: