بسم الله الرحمن الرحيم لا ريب أن مقولة العولمة كحالة طبيعية أصبحت من المدركات الواضحة لأهل الفكر والثقافة على اختلاف مبانيهم ومشاربهم، وذلك على أساس أنها إفرازٌ تلقائي للتحولات التقنيّة الهائلة في التواصل والتقارب الشديدين بين الدول والمجتمعات البشرية المختلفة لتشكّل بذلك مرحلة جديدة من التلاقح الثقافي والتفاهم الاجتماعي والسياسي والتكامل الاقتصادي بأبعاده الإنسانية التي تُقلّص من دائرة الظلم والاستبداد والفقر والحرمان، وتجعل المجتمع الإنساني بكل دوائره وانحداراته القومية والثقافية يُدرك القيمة الإنسانية المشتركة بين الاُمم والشعوب، ويدفعها لتوحيد حركتها باتجاه رفع الحيف عن الإنسان والانفتاح بين أحدهم والآخر على أساس منطق الحوار لتأصيل المشتركات والتقريب بين الخصوصيات. إلاّ أن الذي سارت عليه القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة هذه العولمة كان حرفاً لها عن مسارها الطبيعي، وتحويلها إلى أداة استكبارية جديدة لقهر الإنسان والمجتمعات، وتحميلها منطقاً أشبه بمنطق شريعة الغاب منه إلى منطق الحضارة الإنسانية بمفهومها الأولي، حتى صارت وجهاً جديداً للاستعمار بطريقته الحديثة، وجولة حاسمة لإحكام القبضة الحديدية للاستكبار على دول العالم، وإسقاط تمنّع الشعوب والدول من قبول هذا الاستكبار، كأمر واقع