التعصب غير سوي يستوجب الردع والتقويم، وبعيداً البعد كله عن جوهر الإسلام الذي(أسس للتسامح أسساً راسخة وعقد له مواثق متينة، وفصل فصلاً مبيناً بين واجب المسلمين بعضهم مع بعض في تضامنهم وتوادّهم(…) وبين حسن معاملتهم مع من تقتضي الأحوال مخالطتهم من أهل الملل الأخرى)([252]). وبتسامحه كفل الإسلام لغير المسلمين حرية المعتقد، وممارسة الشعائر المشروطة في دياناتهم، بعيداً عن كل إكراه أو عسف(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)([253]). وقد جاء في سورة يونس قوله تعالى:(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).([254]) وبهذه الروح، تأصّل في المجتمعات الإسلامية ضرب من التعايش السلمي بين المسلمين واليهود والنصارى تسنى به صون حرمة كل دين، وحفظ حقوق كافة الناس بغض النظر عن تباين مللهم، وقناعاتهم، وتصوراتهم. وبها كانت الحضارة العربية الإسلامية حضارة تراكمية غير تعويضية، انفتحت على ما شهدت البشرية قبل ظهور الإسلام من تجارب الأمم المختلفة، واستوعبت ما كان فيها من صنوف السداد، وآيات الصلاح، ولم تنبذ منها إلاّ ما كان مناقضاً لتعاليم الإسلام، أو مخلاً بمبدأ من مبادئه. والى هذه الخصيصة التراكمية يُعزى ثراء هذه الحضارة، التي قوي إشعاعها(وكانت دولتها شباب الزمان)([255]). أي كانت قوتها محل إعجاب العالم كله، في عصور ازدهارها الذي تحقق بالاجتهاد الصحيح الخصيب الشاهد على أن(حرية العقل ثمرة اقتطفت من دوحة الإسلام(…) ثم انتقلت إلى أقوام)([256])، وعلى أن الإسلام قد فتح بتسامحه وتفتحه آفاقاً رحيبة حقاً للتعايش بين الأديان، والتحاور، والتلاقح بين الثقافات والحضارات، وبنى للسلام أسساً متينة راسخة، كان بها، عن جدارة، عند المستنيرين المخلصين من أتباعه، وفي نظر المنصفين من الدارسين غير المسلمين، القدامى والمحدثين، دين التسامح، والحوار، والسلام. ولابد من تأكيد التنبيه ـ هنا ـ إلى أن الصور المشوهة التي ينشرها عن الإسلام من انسلخت نفوسهم عن روح التسامح والسلام السارية في القرآن الكريم