التفكير في غيرها، مؤكدة أن ضبط حدها ومداها لا يستقيم إلاّ بوصلها بصنوها، وتنزيلها في النظام القيمي الشامل. فبالتصدي لصياغة تعريف(التسامح) بما يتيح التأليف بين كل المعاني المقصودة به لغة، واصطلاحاً، وهي التي استهللنا بها الحديث فيه، تثار في الذهن، بلا شك، معاني السماحة التي على المسلم أن يلقى بها غيره، مسلماً كان أو غير مسلم، ومعاني اليسر واللين والتفتح التي ينبغي أن تؤسس عليها كيفيات معاشرته، والتعامل معه. كما يُثار مفهوم الحرية، وما يتصل به من معاني الحرص على احترام ذات الآخر، ورأيه، ومعتقده، وضمان حقوقه، ومنها حقه في الإختلاف في كل ذلك، من دون أن يرى في اختلافه هذا خلافاً، يبدو في غياب السماحة، والتفتح، ورحابة الصدر، نقيضاً، وخطراً تتعين مقاومتهما، ويتأكد القضاء عليهما. قال تعالى:(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين، إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم)([249])، وقال:(لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر، وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم).([250]) ولولا العقل لتقاذفت الناس نوازع الشطط والسرف، وضاعوا في متاهات التعصب والتطرف الخطرين المقيتين. ولولاه لتوهموا أن كل مخالف عدو، ولغاب التراحـم الذي به السلام والتضامن اللازمين للاجتماع، ولاستشرى بينهم التباغض والتناحر، وانقلب عيشهم فتنة نكراء تذهب بهم جميعاً(والفتنة أشد من القتل).([251]) إن روح التسامح سارية كالكهرباء في سلوك الإنسان العاقل. والإنسان العاقل هو السمح، المفتح، المعتدل، المحب لغيره، والمتعاون معه لتحقيق الخير للجميع، ولصون مبادئ الحرية، ونشر السلام. وبهذا تتجلى محورية قيمة التسامح في الإسلام، ويجوز اعتبارها أم القيم، ومن أجل ما أنعم به الله تبارك وتعالى على عباده، رحمة بهم، وتكريماً لهم، ويحق لنا أن نقول إن الإنسان متسامح بالطبع، بحيث يكون سلوك