من المقدس، ومما يعي من الزمني، وبإدراكه لأوجه الصلة بين الفرد والجمع، وموقفه من القريب والبعيد، والمعلوم والمجهول، والمماثل والمختلف، والمحبوب والمكروه، وغير ذلك من الثنائيات والمعادلات التي يزخر بها الوجود، والتي تند حقاً عن الحصر. ومن أبلغ الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من تاريخ الإنسان، ما يتمثل في تأكد حاجته لمعرفة ذاته والإستجابة لمطالبها المشروعة، وللظفر بسلام النفس وسلامتها، وتوازن السلوك، إلى الفطرة التي بينا أنها استعداد جبلي لتحقيق القوام بين الروح والمادة، والمطلق والنسبي، والنقل والعقل، والثابت والمتحول، والأنا والآخر، والذاتي والموضوعي، والفردي والجماعي … وكلما زاغ عما يستساغ بالفطرة ومال إلى ما تهجن وتنبذ، أفسد فطرته التي فطرها الله عليها، وابتعد عن ذاته، بل عن إنسانيته، وأخل بواجب الوفاء لكرامته، وسقط، حتماً، في المفاسد والشرور. لمّا كان الإسلام دين الفطرة المهيأة للتمييز بين ما ينفع وما يضر، وبين ما يصلح وما لا يصلح، وكان العقل أداة ذلك التمييز الذي توحي به السليقة، ثم يغدو ملكة تزكو بالمران والتربية، وكانت الوسطية والسماحة واليسر من أخص خصوصيات الحنيفية السمحة التي بعث بها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه يجوز القول بأن القيم السمحة التي يدعونا الإسلام إلى التمسك بها، والإسهام في صونها، وتثبيتها، وتجسيدها في الزمان والمكان نابعة من الفطرة، ومكرسة بهذا الدين القيم الهادي إلى سواء السبيل:(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً كبيراً).([248]) وبتحليل طبائع ما بين هذه القيم من متين الروابط الدالة على أن أصلها واحد، وعلى أن الغاية من العمل على الالتزام بها واحدة، هي صلاح الإنسان وإعمار الكون، يتضح مدى الإحكام الذي يتسم به سبك المنظومة القيمية الإسلامية التي تتداخل فيها المفاهيم، وتتكامل المعاني بما يجعل محاولة تعريف كل قيمة باعثة على