حنيفاً)([245]). والصراط المستقيم هو سبيل نجاة الإنسان مما يضله، وينآى به عن الهداية والحق. والمقصود به هو الإسلام الذي وصفه الله بكونه القيم لأنه(قيم بالأمة وحاجتها)([246]). و(لأنه جاء بالأصول التي هي شريعة إبراهيم وهي: التوحيد، ومسايرة الفطرة، والشكر، والسماحة، وإعلان الحق).([247]) ولقد تكاملت أنظار المفسرين المجتهدين في بيان مدى الملائمة بين الفطرة والإسلام في عقيدته وتشريعه ومنظومته القيمية وبنائه الحضاري، فأكدوا أن المراد بالحنيفية السمحة إنّما هو الإسلام للانبائه على السماحة والتيسير(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، ولما يفتحه، بذلك، أمام المسلم من آفاق السعي إلى التقوى لاستحقاق رضوان الله، ومن سبل التوفيق بين ثوابت الدين وحقائقه القاطعة، والمتغيرات التاريخية المتوالدة باستمرار. ومن أهم معاني هذا التوفيق الذي هو من عمل العقل أنه وسط بين شبكات العلاقات والأطراف والأقطاب التي لا يمكن للإنسان، بما هو كائن موصول الصبوة إلى طبيعته الروحية الثقافية التي بها توازنه وتأثيره الإيجابي في الكون، أن يذهلها أو يتحرر من سطوتها في انشغاله، في كل الظروف والصروف، بقضايا الدنيا، ومستلزمات الفوز فيها، ثم في الآخرة، بالمصير الأفضل المنشود. إنه وسط واعتدال بدونهما لا يتسنى تنكب الإفراط والتفريط في معالجة المسائل الحادثة بالكدح من أجل تحقيق الذات، وجلب المصلحة ودفع المضرة. ومن هذه المسائل ما يطرح بالتفكير في علاقة المسلم بربه، وبمسؤوليات الإستخلاف، ومنها ما يستثار بنسج علاقاته بأخيه المسلم، وبغير المسلم، بل بكافة مكونات ما يسميه علماء النفس(العالم الخارجي)، بما يجعل هذا التفكير متداخل الأبعاد، متصل الحلقات والأطوار، متسعاً لجميع ضروب الأحوال التي يبحث فيها الإنسان عن ذاته، ويجتهد من أجل تأكيدها، ورسم توجهاتها، ونحت منزلتها في مجتمعه، وفي العالم، ويسأل عن دوره في خدمة البشرية، وعن مصيره في الحياة الدنيا، وبعد الموت؛ بحيث يكون الكائن البشري، في كل ذلك طالباً ذاته، ساعياً اليها في ما يراه منها مما يفهم