فالفطرة هي الهيأة الاصلية المتأصّلة في نفس الإنسان الذي يكون بها كائناً متميزاً بتمييز ما هو إلهي، وبالإستعداد الطبيعي لتأكيد كيانه كما أراد له الله أن يكون، في سلوكه الحيوي والوجداني أولاً، ثم في سلوكه الاجتماعي والأخلاقي الذي يزكو، ويصلح بغلبة الأسباب الضامنة لسلامة النفس على الانفعالات الباعثة التكلف، والغلط، والمانعة عن إصابة الحق. ذلك لأن غائية الديانة إنّما تكمن في صلاح الإنسان. ولئن كانت لها غاية إلهية، فإن موضوعها إنساني، وهو يشمل حال الإنسان ومآله، وما به سلامته، وسلامه، وفوزه بما يبتغي من سعادة في الدنيا، ونجاة في الآخرة. بهذا يتّضح أن الفطرة أساس العقل الذي به الوعي والتدبر والفهم والإعتبار، وتوخي سبيل الهدى والاستقامة، والتحرر من الأهواء المفضية إلى الباطل، والفساد، وسوء المنقلب(فما عرف بالعقل أنه من صالح الحياة الإنسانية كان مطلوباً شرعاً، وما عرف أنه من المفاسد كان منهياً عنه، لا يقرر الشرع ذلك بلسان الأمر والنهي، ولكنه يعتمد فيه على إدراك العقول الصحيحة والفطر السليمة للمصالح والمفاسد).([241]) وقد وصف الإسلام بأنه دين الفطرة لمواءمة تعاليمه ومبادئه وقيمه للفطرة التي تطمئن اليها، بحكم ذلك، وتتعلق بها لما فيها من سماحة ووسطية ويسر تترسخ في النفس أدباً منزهاً عن الظلال الذي يكره الناس أن يعاملوا به، ومرغبا في كل فعل(يحب العقلاء أن يتلبس به الناس وأن يتعاملوا به).([242]) قال تعالى:(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك هو الدين القيم)([243]). والدين المقصود في هذه الآية الكريمة إنّما هو الإسلام الحنيف الذي جاء ديناً عاماً للبشر كافة مصداقاً لقوله عز من قائل:(إن الدين عند الله الإسلام).([244]) وليس أبلغ لوصف الإسلام من قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم، خطاب الأمـر:(قـل إنني هـداني ربي إلى صــراط مستقيم ديناً قيماً ملّة إبراهيم