التي تكسب الاجتماع الإنساني واحداً من معانيه الأساسية، وهو المتمثل في تكامل التجارب وشبكات العلاقات والمصالح، ومنظومات التفكير، وأنماط الآراء والمواقف، وأساليب الحياة بما يؤكد نسبية الحقيقة، وضرورة الاجتهاد، وشرعية التميز، وواجب الانخراط في حركية التعاون على البر والتقوى. ومن مستلزمات النهوض بهذا الواجب، بل من أهمها، اتحاد التفكير السليم والخُلُق القويم اللذين بنى عليهما الإسلام، ديناً وحضارة، نظام الحياة الاجتماعية بما هي إطار يمارس فيه التعاون على تحقيق الخير لكافة المتعايشين داخله، وللإنسانية جمعاء، على أساس من التفتح على الآخر، والرفض الجماعي للإطلاق، وادّعاء احتكار الحقيقة. فلولا روح التسامح الجامعة بين أعضاء الجماعة، والمنتمين إلى نفس المجتمع، بل بين الناس كافة، لظن كل منهم أن اختلاف الآخرين عنه مهدّد لكيانه، وأن مصلحته لا تكمن في غير إخضاعهم لرأيه واختياره، وتسخيرهم لطاعة هواه، ولدفع مالا يحب، وتحقيق ما يرضى ويطلب، بحيث يكون بعضهم لبعض عدواً، وتكون الحياة جمع أضداد، لا سبيل فيها إلى تفاهم أو معاشرة أو امتزاج بين الناس، ولا مكان البتّة لأي طموح مشترك، أو لأي وجه من وجوه الانتظام، والاستقرار، والاستمرار. وبافتراض هذه الحال الجماعية غير الاجتماعية التي لا تكون فيها الحياة إلاّ ابتلاء بالتطاحن ومجرد عيش بيولوجي بين متنافسين، والتي تفنى سريعاً لافتقارها إلى مقومات التعايش وأسبابه، ولتفاني كل طرف فيها، بالتالي، في السعي إلى التعجيل بإفناء الآخر لكونه الضد المضاد، تتأكد ضرورة التسامح للوجود، بمستوييه الفردي والجماعي، وبأبعاده التاريخية والأخلاقية، ويتّضح مدى انغراس المعاني المتصلة بهذه الضرورة في الفطرة بما هي القوة المودعة من الله تعالى في نفس الإنسان، ليعرف بها هذا الكائن الفاني عظمة القوة الإلهية السرمدية، ويصبح تسليمه بها توحيداً وإسلاماً.