ويمكن اجمال المعاني الامهات المتصلة بمفهوم التسامح في القول بأن المقصود بهذا اللفظ إنّما هوم وعي حق الآخر في المغايرة والاختلاف في المعتقد والرأي والاختيار، والإقرار بمشروعية التنوع وبأهميته في إغناء تجارب الإنسان بما يجعل الحضارة الكونية صفوة اجتهادات تتراكم وتتكامل على نحو يضمن دفع حركة التاريخ نحو المزيد من التفاهم والتفاعل بين الشعوب، ويتيح إخصاب الحوار الدائب اللازم بين الثقافات. وبهذا التعريف التأليفي يتنزل التسامح منزلة القيمة المحورية التي يجوز عدّها نشغ الحضارة، والقوام الأمتن للسلام الذي لا يبلي توق الإنسان إليه، ولا يفتر حرصه عليه، لارتهان الإطّراد في العطاء الحضاري، واكتمال التوازن في الحياة الفردية والجماعية، باستتبابه، وبسريان الرؤى المؤسسة على تمثّله والإعتصام به في كل مكونات الواقع الماثل، وكل مشاريع الاستعاضة عنه بواقع أمثل. ذلك لأن التسامح روح تتبدّى في التفتح على الآخر، والإستعداد لتقبله كما هو، لا كما نريد له أن يكون. وهو، بهذا الاعتبار. موقف يجسد الثقة بالذات، ووعي حاجتها إلى الغير في النهوض بأعباء التطوير والإصلاح باكتناه طبائع الظواهر الموضوعية، وردّ ذلك إلى واقع جديد يتعزز فيه اقتدار فيه اقتدار الإنسان على حسن التصرف في الكون، وبلوغ مستويات أعلى من الوعي الذي به العمران، وسيادة القيم التي بدونها لا يكون إلاّ كالشهدة الهلف، لا عسل فيها. والحرص على التوفيق بين المعرفة البانية التي هي الحكمة، في أشمل معانيها، وبين القيم الهادية إلى الاستقامة والصلاح، من أوكد ما علينا تجسيده، نحن معشر المسلمين، بالإخلاص في طلب العلم ـ محضاً ومطبّقاً ـ وفي التمسك بالقيم الزكية الخالدة التي ندب اليها ديننا الحنيف، وحض عليها، وجعلها جماع مكملات الإنسان في عاجلته وآجلته. فالإفادة من المعرفة في أدراك أسرار المنظومة الكونية، وتسخير الحقائق العلمية المكتشفة، والمبتكرات التكنولوجية المتولدة عنها لدعم سلطان الإنسان على الكون الذي استخلفه الله فيه، إنّما يقومان على حب الحق، والشوق إلى الفضائل