عدد الدراسات والأبحاث الممحضة لطرقها، قديماً وحديثاً، وفي ما بين الآراء التي عرضها أصحابها من أوجه التباين الذي يصل احياناً حد الاختلاف البعيد، وهو تكفير أهل الآراء المغايرة تكفيراً صريحاً لا يجيزه الدين، ولا يستسيغه العقل. وبذلك كله غدت هذه المسألة بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة بأكملها، وشاع التوهم بأن الخوض فيها من أسباب شهرة العلماء الذين نسوا بها مشكلات التنمية والتقدم، وما أكثرها، وأوكدها، وبخاصة في بواكير هذا القرن الحادي والعشرين. ووازى هذا التوهم نزوع ظاهر عند بعضهم إلى الإيهام بأن المخالفة في الرأي موقف خلاف مطلق، وبأنه لاسبيل إلى التوفيق بين وجهات نظر المتصدين لدرس فقه المذاهب، وتحليل الأسباب التي افضت إلى ضمور روح التسامح في تعاملهم المباشر، أو في حكم بعضهم على أحكام بعضهم الآخر، من معاصريهم، أو من السابقين. وللتحرر من أسر الفكر الإطلاقي الذي باعد بين المذاهب، وفرّق أتباعها، وأرسى ثقافة التشيّع والانتصار للملل والنحل التي لا تقول بنسبية الحقيقة، وبوجوب التمييز بين الأصول والفروع، لابد من تربية الأجيال الناشئة من المسلمين على التسامح، ومن تعميق وعيها بأن الإسلام واحد، خالد، بتعاليمه السمحة، ومبادئه السامية، وقيمه الزكية التي لا اختلاف فيها، ولا وحدة إلاّ بها. فبالتسامح، ووعي حقيقة الإسلام القاطعة التي تجمع بين المسلمين، في عقيدتهم، وشريعتهم، وتربيتهم، وثقافتهم يتّضح الفرق بين الدين والمذهب، والوحي والاجتهاد، والمبدأ الثابت والرأي الفردي أو الجماعي، ويكون التكامل بين رؤى الفقهاء المجتهدين، والتقارب والتواصل بين المذاهب، وبين المدارس الفكرية الناشئة بدراستها.