عن التعامل مع هذه القضية بمعايير وقيم ثابتة ومشتركة، تحول بينهم وبين الصدام والاقتتال بشأنها للأسف. هذه حقيقة مرة قائمة.. وواقع مؤلم تعاني منه المجتمعات البشرية اليوم مثلما عانت منه خلال تاريخها الطويل.. وقد حاولت قدر الإمكان تتبع رحلة الإنسان مع قضية العدل والظلم منذ فجر التاريخ.. فوجدت أن ظاهرة اختلال القيم والمعايير حيال العدل والظلم قديمة.. لمست شيئاً من هذا الخلل: ـ في شريعة حمورابي(في الألف قبل الميلاد)، الذي كان يفتخر صاحبها بأن الإله سماه(الأمير الشهير الخائف من الرب القائم على توطيد العدل في الأرض وإزالة الشر والفساد وحماية الضعيف من القوي وظلمه)، وكان يفتخر كذلك فيقول: أنا حمورابي الراعي المفضل الذي وزع الغنى والثروة.. وأنه أزال الخوف من نفوس الناس، وقد وصف البعض شريعته بأنها(إنسانية، ديمقراطية) ورغم ذلك لم تنجو شريعته من الاتهام بممارسة المظالم والانتهاكات. ـ أما شريعة ما نو(القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، فقد ركزت على الجوانب القانونية والمسائل اللاهوتية، وواجبات الفرد في الدين والعبادات والأخلاق، وسنت العقوبات التي تطهر المذنب لما بعد الموت، إلاّ أنها اتهمت بالممارسات الطبقية والمظالم وانتهاك الحقوق، واستخدام العقوبات التي وصفت بالوحشية. ـ وفي شريعة بوذا(ألف سنة قبل الميلاد)، ركز على الأخذ بالجوهر دون المظهر، ودعت إلى ضبط النفس ونكران الذات، كما دعت إلى مقاومة الشهوة والعاطفة باعتبارها السبيل إلى السعادة بعد الحياة الأولى، إلاّ أنها رغم التعديلات التي أدخلتها على شريعة ما نو أو دين البراهمة، إلاّ أنها اتهمت بانتهاك حقوق الإنسان واعتمدت مذهب التمايز الطبقي بين الناس.