الظلم أو ينسب الظلم إلى نفسه.. فالناس جميعاً من حيث الظاهر يعلنون كراهيتهم ورفضهم للظلم والظالمين.. بل ويعلنون حربهم على الظلم وأهله، والكل مجمع على أن الظلم سبة ورذيلة، متفقون على قبحه ومقته وكراهيته. إذا من هو المسؤول عن الظلم يا ترى؟ ومن ذا الذي يمارسه ويحمل أوزاره؟ والجواب المحير على لسان حال كل جهة في الأرض.. أن المسؤول جهة ما في الأرض! ولكن من هي هذه الجهة؟ وما هي هويتها وما هو دينها وثقافتها؟ لا أحد يجيب.. والمهم أنه بريء.. وأن أحداً ما غيره هو المتهم.. فالناس يصرون على أن الظلم شر وقبح ورذيلة.. وأنهم يناضلون للتخلص منه ومن أهله.. إذا هو موجود وممارساته قائمة.. وضحاياه مشهودة.. وآثاره المؤلمة شاخصة.. وهذا ما يجعل هذه القضية لغزاً يحتاج لمن يفك طلاسمه.. ويجلي اشكالياته.. ويتحمل مسؤولية إزالة اللبس في شأنه.. ليتمكن الناس من تحديد وتشخيص هذا العدو المجمع على عداوته وخصومته.. وأحسب أن مثل هذا اللقاء الحاشد من عقلاء وحكماء مختلف الأديان والثقافات.. معني بهذه المسؤولية العظيمة وهذه الغاية النبيلة.. وأنا من جهتي ومن خلال هذه الورقة، بذلت جهد المقل في تقديم قراءة متواضعة حيال هذه الإشكالية المحيرة.. فبعد التأمل والمراجعة وجدت أن جوهر هذه المعضلة يكمن في: اضطراب واختلاط معايير العدل والظلم بين الناس.. فما هو من الظلم عند البعض، تجده عين العدل والإنصاف عند آخرين.. وتداخلت خصائص وصفات وممارسات العادل والظالم.. فما هو بنظرك عادل.. يكون عند غيرك من الظالمين المعتدين.. وهكذا اضطربت الرؤى واختلت القيم والمبادئ.. فاختلف الناس في تحديد الظالم من المظلوم.. والمعتدي من المعتدى عليه.. أو هكذا زينت لهم أهواؤهم ونزعاتهم.. فافترقوا افتراقاً شديداً.. وتدابروا وتخاصموا تجاه هذه المسألة الجوهرية في حياة الناس.. مما جعلهم جميعاً عاجزين