كما يهوي الثور في حلبة المصارعة، وهو يحمل مكاسب في التقدم العلمي، وأقماره الصناعية تدور في الفضاء الرحب، ومركبته الفضائية هي الأولى والأكبر والأقدر في مدارها يوم سقوطه، وترسانته النووية والصواريخ العابرة للقارات، قادرة على تخريب العالم مرات. ثانيا: إن وراء هذا الوجه المشرق الباسم وجه مظلم كالح شرير. لقد جرت التجارب والاختراعات العلمية في خطين متضادين، خط يعمل للحياة، وخط يعمل للموت والتخريب، خط إنساني نبيل، وخط همجي شرس. إن ما تحقق لحد الآن من تقدم في ميدان الكشف والعلاج، وتخفيف معاناة المرضى، والتغلب على بعض الأوبئة، والبحوث الواعدة للتغلب على أمراض ماتزال تقاوم، ولكن الضوء يتبين أكثر فأكثر مبشرا بقرب تجاوز نفق الجهل المظلم والعجز المستسلم، هي مكاسب للبشرية وآمال سعد العالم بتحققها، وفتح لكتاب جديد من الثقة في المستقبل. وكذلك ماتم في ميادين الاتصال والنقل، وما اكتشف من الفضاء الخارجي. نعم لم يعد الإنتاج مرتبطا بالمجهود العضلي والفكري البشري، بل إن الآلة المعتمدة على البرمجة الإلكترونية أخذت مكانها، لتقدم للإنسان مايلبي كثيرا من حاجاته ورغباته مع السرعة والدقة، مع انخفاض التكاليف. هذا هو الوجه الذي ينوه به دعاة العولمة ويقدمونه على أن العالم يودع كل يوم بهذه المكاسب الحرمان والبؤس. ولكن الوجه الآخر المعتم على شراسته وقبحه ولا إنسانية، مما يتحتم رفع الغطاء عنه وكشفه رفعا للمغالطات حتى يكون العالم يقظا لما يراد به. إني لا أهدف إلى تتبع كل قبائح العولمة ومفاسدها، فذلك أمر فوق طاقة فرد واحد، ولكني ألفت النظر إلى بعض مظاهر التطبيق العملي للعولمة.