يحركون الاقتصاد وينقلون السلع من مكان إلى آخر، فقال تعالى:(وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)([160]). صياغة الآيتين تربط التجارة ونقل السلع والأموال بأمرين أساسيين. أولهما: أنه لا بد أن يكون حاضرا في وعي الساعي أن المال مال الله والرزق رزقه. وثانيهما أنه محاسب على تصرفاته. فعمله مستمر في المستقبل إلى أن يلقى ربه يوم الجزاء. وبهما معا يصبح نشاط الإنسان الاقتصادي داخلا تحت دائرة الثواب والعقاب الإلهي الذي يقوم فيه الرقيب من داخل الإنسان ومن إيمانه. وهذه الرقابة لا تختص بالتجار وأصحاب رؤوس الأموال بل هي تتعداهم إلى ولي الأمر الذي ينظم الشؤون الاقتصادية. يقول ابن عبد السلام: فإن قيل: لم منعتم الزيادة على العشر في أموال الكفار، وقلتم: لا تؤخذ في السنة إلاّ مرة واحدة؟ قلنا: لأنا لو خالفنا ذلك لزهدوا في التجارة إلى بلادنا، وانقطع ارتفاق المسلمين بالعشور، وبما يحملونه مما يحتاج إليه من أموال التجارة والأقوات وغير ذلك([161]). فالضرائب التي تحمل على السلع ينظر فيها بمقياس المصلحة العامة، يراعي فيها ما يكون أرفق بحال عامة الناس من وفرة السلع، وما يشجع التجار على جلب السلع والأقوات، وما هو أصلح لميزان الدولة في آن واحد، دون أن تجور ناحية على بقية النواحي، ولا أن تهمل مصلحة من الاعتبار. ثم إن النسبة التي توظف على مايجلبه غير المسلمين لبلاد الإسلام ترتفع وتنخفض تبعا لمعاملتهم لتجار المسلمين. وبما قدمناه يبدو ما انبنى عليه التشريع الإسلامي وتنظيماته من الرحمة والعدل ومراعاة المصالح العامة دون تضحية بالمصلحة الخاصة. وتبدو الفوارق بين العالمية الإنسانية للإسلام. والعولمة المتمردة على الإنسان المحطمة لقيمته الموهنة لها في مقابل المكاسب المادية التي يزداد بها الأثرياء ثراء.