عبر المنهج الأول عن امتداده، وذلك أولا، بشموله للإنسان وللكون بما يتألف منه من حيوان ونبات وأرض وسماء، وكواكب ومجرات، ومن مخلوقات منظورة وغير منظورة، ليؤلف بينها ويحكم التصرف فيها بميزان واحد عدل، هو ميزان لا يتأثر بالمصالح الخاصة ولا يراعي الظروف الوقتية، ولا السلطة المبنية على القوة ولا التحكم المستند إلى نوازع الهوى، بل هو الميزان النابع من الأصول التي قررها خالق الجميع، والتي تحقق ما أراده الله من تعمير الكون. وثانيا في امتداده ليشمل الكل في جميع الأزمنة والأمكنة. ينبني ما قدمناه على الجميع بين قوله تعالى(رب العالمين) وبين قوله(وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين). يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله: خص الله الشريعة الإسلامية بوصف الرحمة الكاملة، وأقيمت شريعة الإسلام على دعائم الرحمة والرفق واليسر. حتى القصاص والحدود هي في حقيقة أمرها رحمة بالعالمين ليأمنوا في حياتهم، والأمن أول شروط النجاح في الاستخلاف في الأرض. وهذه الشريعة رحمة بالحيوان الذي سخره خالقه للإنسان، فحماه من العبث به أو تعذيبه، وقرر في ضمير أتباعها أن الرأفة والرحمة بالحيوان طريق لمرضاة خالق الأكوان([152]). ويقول سيد قطب: وضع المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة، وترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة، ووسائل استنباط وسائل تتنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة وملابساتها، دون اصطدام المنهج الدائم. وهو منهج متوازن متناسق، لا يعذب الجسد ليسمو بالروح، ولا يهمل الروح ليستمتع الجسد، ولا يصادم طاقات الفرد ورغائبه الفطرية السليمة، ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية. فكان رحمة لقومه ولمن جاء بعدهم، وقد أخذت