إن الوفاق بين العلماء، يستوجب الإخلاص في القول والعمل والتفاني في إعلاء كلمة الله، والجد في إقناع الجماهير بوحدة دينها، ووحدة تاريخها، ومبادئ حضارتها. فلا مجال للاعتراض ولا مجال للجدل فلنكتف بما يوحدنا، وننس ما يفرقنا أو ما يحيي بعض النعرات ويغذي الضغائن، فإذا ابتعدنا عن هذه العصبيات التي تزيد نفور بعضنا من بعض، واتبعنا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (دعوها فإنها مننة) نكون قد حققنا القاعدة الأساسية للتعاون بين المسلمين. والبداية في هذا المشروع المبارك، تنطلق كما تصوره الإمام عبدالحميد بن باديس المصلح الجزائري من التعليم فيقول: (لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم… ولن يصلح العلماء إلا إذا صلح تعليمهم).([2]) وبما أننا نريد لهذه الأُمة انطلاقة حضرية فلنهتم بتدريس وتفهيم دستورها القرآني فهماً صحيحاً، كما درسه الأوائل من الصحابة (رضوان الله عليهم) فلنتدبر آياته ونفقه النشأ بما جاء فيه من حكمة ووعظة وإعجاز علمي وأنه كتاب حياة وحضارة وسعادة في الدنيا والآخرة. فإذا قام العالم بوظيفته كمعلم على أحسن وجه، فقد أدى رسالته نحو أمّته وبلغ للشباب المبادئ الأساسية التي انطلقت منه الدعوة المحمدية، وهي الحرص على تطبيقها في الميدان وترجمتها في السلوك الفردي والجماعي والالتفاف حولها والاحتراز من الزيغ والانحراف حتى يحقق ما تدعو إليه الآية الكريمة (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا).([3]) فالقرآن الكريم يحذرنا من هذه التفرقة التي تترصدنا في كل لحظة إذا لم تتمسك بحبل الله سبحانه، وليس معنى هذا أننا نخشى الاختلاف، فهو يعبر على حيوية المجتمع وحركيته ويدعو إلى التفكير في قضاياها المتعددة وتقديم الحل النافع لترقية الأُمة الإسلامية والتغلب على عقباتها بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وجعلها الميزان الصادق لمعرفة الحق واتباع أهله فلنقتف إذن أثر السلف الصالح، لقد كانوا يتمثلون أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) في العبادات وتأسون به في الأفعال تطبيقاً لما جاء في القرآن الكريم: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)([4])،