بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).([1]) قد كرّم النبي (صلى الله عليه وسلم) العلماء بقوله (العلماء ورثة الأنبياء) إنها منزلة رفيعة وتركة ثقيلة يسعد بها التقي الذي سلك نهج النبيين المحفوف بالمكاره، المعبد بالشوك إلا أنه يجد فيه راح نفسية، ومتعة روحية. لقد حمّل رسالة عظيمة ولابد من تبليغها على الوجه المطلوب ليكون من الفائزين بالأجر العظيم عند الله سبحانه ويكون خير خلف لخير سلف. إن العالم الديني لا تبرأ ذمته حتى يقوم بالدعوة إلى الله، ناشراً ما عنده من العلم بين الخلق، راشداً لهم وواعظاً، يعلّمهم الكتاب والسنة، لا يخشى في دراستهما لومة لائم ولا سطوة آثم. سلاحه التقوى والصبر حتى تستيقظ همم بعض الفئات، وتسمع ندائه فيلقنها المبادئ الدينية الصحيحة ويقودها إلى الفوز في الدارين. ولا ينجح العالم الديني في وظيفته، إلا إذا بدأ بنفسه فهذبها وطهّرها من الرواسب التي تحجب عنه الحقيقة، وتتركه خائفاً من خوض المعارك، جباناً مشلول اللسان والقلم، كما أنه لا يؤدي مهمته إلا إذا تعاون مع إخوانه العلماء، يمد لهم يد المساعدة داعياً إياهم باسم الإسلام والقرآن والسنة إلى العمل سوياً في اتجاه واحد لإحياء الدين الحنيف واتباع السلف الصالح. ولا يحصل هذا التقارب بين العلماء، إلا إذا نزعوا عصبياتهم نزعاً قوياً، سواء منها العصبية العرقية أو المذهبية أو التعصب للرأي، والتحيز لشيخ والتفاخر بالآباء، كل هذه العصبيات فتتت وحدة الأُمة ومزّقت صفوفها وجعلتها أمماً تتخاصم.