في الأسحار لشغلك ذلك عن نومك وصلاتك، ووددت يطول بك هذا المشهد ولا ينغلق ظلام الليل على الإصباح. وفي هذه الحوزات مناهج ومدارس للتربية والتزكية والتهذيب. وأهم هذه المناهج منهج التأمل والتفكير، والاستغراق في التأمل والتفكير، ومن مسالك التأمل والتفكير مسلك التأمل في النفس، فإن التأمل في النفس من أفضل مداخل التفكير في الله وذكر الله. وقد جعل القرآن الكريم التفكير في النفس قبل التفكير في الآفاق، وكلاهما هاديان إلى الله، ولكن التفكير في الأنفس اسرع وصولاً بالانسان إلى الله من التفكير في الآفاق، رغم أن أيّاً منهما لا يغني عن الآخر، بالضرورة. ومن هذه المناهج منهج الذكر والعبادة والاشتغال بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وهو من أهم هذه المناهج واكثرها شيوعاً، ولسنا نقصد بالنهج الأول الانشغال بالتأمل والتفكير عن العبادة والعمل، فهذا ما لا تسوّغه روح هذا الدين، ولكن اقصد بمنهج التفكر والتأمل أن تكون الصيغة العامة للمنهج هو التفكر والتأمل … وأما المنهج الثاني فهو الاستغراق في الصلاة والدعاء والذكر، وهؤلاء يدأبون في تلاوة القرآن والدعاء، وقيام الليل، والمواظبة على النوافل، ويعشقون الليل عشقاً، فإذا حل بهم الليل، وهدأت من حولهم الأصوات وغلقت الأبواب، وذهب الناس إلى مضاجعهم؛ قاموا إلى صلاتهم كما يقول ربنا تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) فلا تستقر جنوبهم على المضاجع حتى يهبّوا إلى عبادة الله. ولليل دولة وللنهار دولة، وكلتاهما دولة الصالحين. وهناك ابطال لدولة الليل رجالاً ونساء، وهناك ابطال لدولة النهار، وأبطال دولة النهار لابدّ لهم من دولة الليل حتى يتمكنوا من القيام بأعباء عبودية الله تعالى وطاعته والدعوة إليه في النهار، وأبطال دولة الليل تنقصهم دولة النهار، حتى لا