النجف وقم هما الجامعتان الفقهيتان الأم في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهما من أعرق الجامعات الإسلامية، أو الحوزات العلمية كما يسميها ابناء هذه الجامعة. وقد اكسبت هذه العراقة التاريخية هاتين الحوزتين الكثير من الخبرة في القرآن والحديث والفقه، وهي أمهات العلوم في هاتين الجامعتين. ولأن هاتين المدرستين كانتا تحتلان موقعاً سياسياً واجتماعياً في اوساط اتباع أهل البيت (عليهم السلام)، فإن هاتين المدرستين كسبتا خلال الفترة خبرة سياسية واجتماعية وعلمية وأخلاقية وتربوية كبيرة. وسوف نعكس في هذه الدراسة إن شاء الله طرفاً من هذه الخبرة في المجال السياسي والاجتماعي من جانب، وفي المجال العلمي من جانب آخر، وفي المجال التربوي من جانب ثالث. 1ـ في المجال التعليمي والاجتماعي أ ـ الاستقلال السياسي: ومن أهم هذه الخبرات الاستقلال السياسي لهذه المدارس عن الأنظمة والحكومات، التي كانت تحكم هذه البلاد في فترات التاريخ المختلفة. وذلك لأن مسؤولية الفقهاء والعلماء هي الرقابة العامة على كل المرافق والمؤسسات الاجتماعية، ونقدها ومحاسبتها. وعلى رأس هذه المؤسسات مؤسسة الدولة بكل أجهزتها ودوائرها الفرعية، فإذا تحولت الجامعة الدينية إلى جامعة تابعة لمؤسسات النظام وملحقة بها لم تعد تملك القدرة الكافية على رقابة هذه المؤسسة والمؤسسات التابعة لها ونقدها، ولو تحول الفقهاء إلى موظّفين في الدولة لم يملكوا القدرة على النقد والرقابة البتة.