وكل ذلك يتطلب أن يحقق المسلمون حالة الاستنفار للتفقه في الدين، إلى جانب الاستنفار لمجاهدة النفس، وهذا الاستنفار حكم من أحكام الدين. وانطلاقاً من هذه الآية المباركة من سورة التوبة أقام المسلمون المؤسسات والمدارس للتعليم الديني على امتداد التاريخ، وقد حفظت لنا هذه المؤسسات والجوامع والمدارس الدينية أصالة ونقاوة الفكر الديني النابع من الوحي إلى اليوم. ورغم أن بلاد المسلمين قد تعرضت لهزّات ومصائب كثيرة نتيجة التقلّبات السياسية؛ إلا أن هذه المدارس والحوزات الدينية بقيت تحافظ على أصالة هذا الدين، وارتباط المسلمين بدين الله، والتزامهم بأحكامه وحدوده، على امتداد هذا التاريخ الطويل. وهذه الجوامع والمدارس والحوزات تنتشر في رقاع وأقاليم كثيرة من العالم الإسلامي كالحرمين الشريفين والنجف في العراق، وقم في ايران والزيتونة في تونس، والأزهر في مصر، والقرويين في المغرب، وندوة العلماء في الهند، وغيرها من الحوزات والجوامع العلمية التي حفظت لنا القرآن والحديث والفقه والتراث والعقيدة والأخلاق والثقافة الإسلامية النابعة من الوحي. وكانت بمثابة الحصون المنيعة التي حفظت هذا الدين من عوامل التخريب الكثيرة التي استهدفت رسالة الله تعالى إلى هذا اليوم. ومن الطبيعي ان تتأثر هذه الحواضر العلمية سلباً وايجاباً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أنها تمكنت من أداء رسالتها، في كل الظروف ضمن مدّ وجزر إلى اليوم الحاضر. وعندما تساقطت قلاعنا أمام الغزو الثقافي والحضاري القادم من الغرب؛ كانت هذه المراكز من المراكز القليلة التي قاومت هذا التيار