وقد ترك تبويب الحلي، بل ترتيب أبواب كتابه بصماته الواضحة على الكتب الفقهية من بعده. ويكفي أن نشير إلى المتن الفقهي الشهير: “اللمعة الدمشقية” لمؤلفه الفقيه الكبير الشهيد الأول محمد بن مكي (786 هـ) الذي اتبع الطريقة نفسها في التبويب وترتيب الأبواب، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة([19]). وقد بيّن الشهيد الأول، في كتابه “القواعد والفوائد” خلفيّة التقسيم الرباعي حيث قال ما مضمونه: الفقه، إما أن يرتبط بالجهات الروحيّة والأخروية أو أن يرتبط بالجهات المعيشية الدنيوية وتنظيمها. فالقسم الأول هو العبادات، بينما الثاني الذي نجد من يسمّيه بالمعاملات، ينقسم إلى قسمين: قسم يضم الأحكام التي تترتب على تعهدات لفظية من قبل الأفراد المكلفين. وآخر يضم الأحكام التي لا تترتب على مثل تلك التعهدات. والقسم الأخير يقال له الأحكام وهو يشمل مباحث القضاء والجزاء (العقوبات) والإرث. أما القسم الأول فينقسم بدوره إلى قسمين: قسم منه يتعلق بالتعهدات من طرفين ويسمى العقود؛ وقسم يتعلق بالتعهدات من طرف واحد ويسمى الإيقاعات([20]). وهذا التقسيم الرباعي يستبطن في داخله تقسيماً ثنائياً أساسياً كما لاحظنا هو: العبادات والمعاملات. والتقسيم الثنائي هو المتبع في العديد من الرسائل العملية المتأخرة مثل “وسيلة النجاة” و”تحرير الوسيلة” و”منهاج الصالحين”. وإذا ما نظرنا إلى التبويب والتقسيم المعتمدين في المتون الفقهية السنية، فإننا نلمس بوضوح نقاط التشابه مع التبويب الفقهي الشيعي([21]). بعد هذا الاستعراض للنمط المتعارف في التبويب أو التقسيم الفقهي لدى الفقهاء المسلمين (وبالأخص الشيعة منهم)، نلاحظ بأن التقسيم الذي اعتمدوه بالنسبة لأبواب المعاملات – وإن استند إلى مقسم معيّن هو “تعهدات المكلفين” – قد جاء في الدرجة الأولى كما يبدو بدافع فني هو تسهيل عملية الكتابة والبحث النظري. أما الأبواب الفقهية المتفرّعة عن الأٌقسام الرئيسة، فهي – وإن كانت تعبيراً عن العلاقة بين النصوص الدينية ومجالات الواقع الحياتي التي تحققها عملية