لاطّراد تقدم العلم، فتركّز الفكر حول المسائل التي تتعلق بفرع تخصصي معين، لا بد أن يؤدي إلى تقدم هذا الفرع تقدماً كبيراً. ويخلص الشيخ مطهري إلى القول بأنّ عدم التسليم بضرورة تنفيذ هذا الاقتراح – أي التخصص في الأبواب الفقهية – يعني الوقوف بوجه تكامل الفقه وتطوره([15]). وفي طليعة مَن أيّدوا اقتراح التخصص في أيامنا هذه، مرشد الجمهورية الإسلامية السيد الخامنئي، الذي أكد على ضرورة أن يتخذ التخصص في الفقه وغيره من العلوم طابعاً جدّياً، فالمعاملات والعبادات وغيرها – كما يقول – وإن كانت مرتبطة ببعضها، هي أبواب متعددة يمكن أن يتخصص الفقيه في أحدها([16]). ويعتبر بعض علماء الشيعة المتأخرين، بأن الفائدة من التخصص، بعد افتراض ضرورة الاجتهاد العام قبل مرحلته، تكمن في تفرّغ الفقيه أكثر لاستيعاب المسائل الفقهية الداخلة في مجال اختصاصه، كما تكمن أيضاً في زيادة كفاءته العلمية فيما يتعلق باستخدام الأدلة في الحقل المختص به. ويضاف إلى ذلك أن طائفة واسعة من المسائل الفقهية تحتاج إلى خبرات غير فقهية إلى جانب الخبرة في المجال الفقهي([17]). ولا تتيسر الخبرة الواسعة، من النوع الأول، للفقيه العام وذلك مثل مسائل العملة والمصارف والشركات ومسائل القضاء المعقدة في المحاكم الحديثة وكذلك مسائل العلاقات والمعاهدات الدولية الحديثة. كيف ندفع باقتراح التخصص في اتجاه التنفيذ؟ لقد مضى على تقديم هذا الاقتراح، من قبل الفقيه الكبير الشيخ الحائري، ما يناهز السبعين عاماً على الأقل. وبالرغم من مسوّغاته الوجيهة، فقد بقي الاقتراح خارج دائرة النقاش والتداول الجديين، ضمن الحوزات الفقهية الشيعية. والنقاش والتداول يشكلان مرحلة لابد أن تسبق الحديث عن وجود مسعى جدّي لتنفيذ الاقتراح المذكور.