اما الناحية الثانية، التي دعت إلى طرح اقتراح التخصص في الأبواب الفقهية، فهي الاستفادة مما عليه الحال اليوم في سائر العلوم (البحتة منها والإنسانية)، كالطب خصوصاً والهندسة والفيزياء والكيمياء والقانون والاقتصاد وما إلى ذلك. ويفصّل أحد الكتاب المسلمين المختصين([14]) في شرح هذه الناحية، فيقول بأن النهوض بالفقه الإسلامي، شأنه شأن النهوض بأي علم أو فن، لا يمكن أن يتحقق في هذا العصر إلا باحترام مبدأ التخصص. هذا المبدأ الذي يقوم على أساسه نظام التعليم الجامعي الحديث. فقد تقدّمت وتعقدت واتسعت دائرة مختلف العلوم في عصرنا وتعددت فروع كل علم، بحيث لم يعد صحيحاً أن نعتبر أي فرد من الأفراد عالماً أو اخصائياً، بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا في فرع من فروع أحد العلوم أو الفنون. فأستاذ القانون أو الطب أو الهندسة مثلاً، هو – في الحقيقة – أستاذ في فرع من الفروع التي يشتمل عليها كل علم من العلوم المذكورة. وكلام هذا الكاتب يتجه إلى نظام تدريس الفقه، قبل أن يتجه إلى عملية الاستنباط. ولكن هناك رباط وثيق بين الأمرين، كما لا يخفى، باعتبار أنّ التدريس هو الذي يُعدّ الفقهاء المؤهّلين للاستنباط. وقد أيّد العديد من علماء الشيعة المعاصرين هذا الاقتراح؛ ومن بينهم لا بد أن نذكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الذي روّج له بشيءٍ من الحماس، معتبراً بأن الضرورة لاعتماد التخصص في الأبواب الفقهية قد حصلت منذ أكثر من قرن من الزمن، بفعل تغيّر الظروف الحياتية. ويؤكد مطهري بأن كل علم من العلوم (سواء الفقه أم غيره) ينمو تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة لا يكون بمقدور الفرد الواحد الإحاطة به من جميع جوانبه، فتأتي ضرورة التقسيم إلى فروع للتخصص. وبتعبير أوضح: إن ظهور الفروع التخصصية في أي علم من العلوم هو من جهة، نتيجة لتكامل ذلك العلم وتقدمه وهو، من جهة ثانية، يعد سبباً