ولكن من وجهة نظر البعض الآخر، فإن هذا الأسلوب الاجتهادي يثير اشكالات عملية لابد أن تحلّ… خاصة في حالة اختلاف المجتهدين والقول باعتماد رأي أكثريتهم. إذ ما هو الدليل على حجية الأكثرية هنا؟([10]) وقد طرح أحد الفقهاء الشيعة مؤخراً، على أساس اعتماد هذا الأسلوب في الاجتهاد، إصدار رسالة فقهية عملية موحّدة من قبل نخبة من الفقهاء المراجع مجتمعين، كبديلٍ عن الرسائل المتعددة التي يحمل كل منها الآراء الاجتهادية لأحد مراجع التقليد([11]). أما الأسلوب الثاني المطروح للاجتهاد الجماعي، فهو التخصص في الأبواب الفقهية، أي توزّع أبواب الفقه أو مجالات الاجتهاد بين مجموعة من المجتهدين الحاصلين على درجة الاجتهاد المطلق، بحيث يتجه كل منهم إلى الاستنباط في إطار قسم محدد منها فقط. وهذا الأسلوب هو الذي نتناوله هنا بالبحث التفصيلي. ويمكن أن نعبّر عنه أيضاً “بالتخصص في الاجتهاد” أو “الاجتهاد التخصصي”. موجبات “التخصص في الأبواب الفقهية” وفوائده في حدود إطلاعنا، فإن أول من دعا إلى اعتماد هذا الأسلوب – أي التخصص في عملية الاجتهاد الفقهي – هو مؤسس حوزة قم الحديثة، الفقيه الشيعي الكبير الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائري (قدس سره)، المتوفى سنة 1355 هـ. هذا العالم المجاهد، الذي تميّز إلى جانب علمه الغزير بحكمته الفائقة وصبره على أنواع المحن والبلايا التي تعرّض لها المسلمون في إيران وخصوصاً الحوزة في زمنه، على يد الطاغية رضا شاه. كما تميّز أيضاً وبالأخص، إلى جانب تمسّكه الشديد بالأصالة، بروحه المنفتحة على العصر وإيجابياته. وهذا ما يظهر من إقتراحه لأسلوب التخصص في ممارسة الإجتهاد، بالإضافة إلى ما يتكشف من بعض مواقفه الأخرى، من قبيل دعوته لتنظيم امتحانات دورية لطلبة الحوزة، مستفيداً ذلك من الطريقة المتبعة في الجامعات الحديثة.