وقد نهض الفقهاء الاجلاء دائماً – ومن خلال نمط الاجتهاد هذا – ولا زالوا ينهضون بواجبهم مشكورين في خدمة الأُمة واستنباط الاحكام الاجتهادية للمسائل الفقهية موضع ابتلائها. ولكن إذا كان نمط الاجتهاد الفردي قد أدى ولا يزال يؤدي ما عليه في خدمة ابناء الأُمة.. فان طبيعة الحياة المتغيرة؛ وما شهده عصرنا الراهن من قفزات تطور كبيرة على الصعيدين المادي والمعرفي ادت إلى توسع واضح في مجالات الاجتهاد (من خلال بروز مسائل ومشكلات وتحديات اكبر امامه)، بحيث غدا أكثر صعوبة بالنسبة للفقيه الفرد… كل ذلك قد دفع ببعض الفقهاء([5]) إلى طرح صيغة جديدة، وهي تعاون جماعة من الفقهاء في ممارسة الاجتهاد، بدلاً من النمط السائد. وهذه الصيغة الجديدة اطلق عليها اصطلاحاً اسم “الاجتهاد الجماعي”. أسلوبان مطروحان لممارسة الاجتهاد الجماعي وفكرة الاجتهاد الجماعي التي لم تطبق عملياً إلا بصورة محدودة كما سنشير بعد قليل، يُـقصد بها – في كلام القائلين بها – أحد أسلوبين للتعاون بين الفقهاء في ممارسة الاجتهاد: الأسلوب الأول: ويسمّى “شورى الفقهاء” أو “المجمع الفقهي”. ويعني تبادل الرأي بين جماعة من المجتهدين بخصوص المسألة الواحدة، بحيث تكون الفتوى المتعلقة بالمسألة صادرة عن مجموعهم أو أكثريتهم، حسب النظام المتفق عليه بينهم. ويمكن لهؤلاء المجتهدين أن يستعينوا بخبراء فنيين مختصين في مجالات الحياة المختلفة. وقد دعا إلى اعتماد هذا الأسلوب، المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المنعقد بتاريخ شوال 1383 هـ، وتصدى للكتابة عن كيفية تنظيمه العديد من الكتاب المسلمين المعاصرين([6]). وبادر الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا (من سوريا) إلى تقديم اقتراح بشأنه إلى مؤتمر “رابطة العالم الإسلامي” الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1384 هـ وجاء في اقتراحه: “وطريقة ذلك – أي اجتهاد الجماعة – تأسيس