هذا فضلاً عن طروء مسائل وحصول وقائع جديدة باستمرار … لذلك فقد توقفت معرفة الموقف العملي في أكثر الحالات على بذل جهد خاص، مع تحصيل مسبق لجملة من العلوم بمستوى الاختصاص. وهو ما يصطلح عليه باسم (الاجتهاد). ومثل ذلك ليس متاحاً لكل الناس، بل لطائفة منهم فقط هم المجتهدون. ولم يبق أمام عامة الناس غير التقليد لهؤلاء المجتهدين (أو اختيار طريق الاحتياط بالنسبة للبعض القليل منهم فقط، نظراً لصعوبة اعتماده). وباب الاجتهاد أو الاستنباط ظل مفتوحاً ولم يقفل لدى الفقه الشيعي الامامي؛ ومما اسهم في تعزيز مسيرة الاستنباط لديه، ذهاب معظم الفقهاء الشيعة الأصوليين إلى حرمة تقليد الميت ابتداء([3]) مع ما يعنيه ذلك من الحاجة المستمرة إلى وجود المجتهدين الأحياء، المؤهّلين لاصدار الفتاوى للمقلدين في كل عصر. امّا بالنسبة للفقه السني ، فقد اقفل باب الاجتهاد لديه في الماضي، مع تأثير عوامل مختلفة وذلك منذ منتصف القرن الرابع الهجري([4]). شهدنا ونشهد في عصرنا الراهن، دعوات متواصلة لاعادة فتح هذا الباب بصورة واسعة وذلك من قبل فقهاء كبار، بحيث لا يقتصر على الاجتهادات الجزئية المتعلقة بالمسائل المستحدثة، بل يصل حتى إلى الاجتهاد في الأُصول. الدعوة إلى الاجتهاد الجماعي كبديل عن النمط السائد النمط التاريخي المتعارف للاجتهاد والذي هو السائد عملياً حتى يومنا هذا، يقوم على أساس ان يتوجه كل فقيه مجتهد بمفرده لاستنباط الأحكام المتعلقة بكافة الشؤون، بحيث يغطي باجتهاده مختلف أبواب الفقه وأقسامه. وهذا النمط يمكن تسميته اصطلاحاً بالاجتهاد العام (بلحاظ شموله لكافة المجالات الحياتية) أو الاجتهاد الفردي (حيث يقوم به فقيه واحد وليس جماعة من الفقهاء المتعاونين).