وقل أن تنظر هذه المجامع الفقهية في الأمور التي سبق البحث فيها وتتلمذ فيها المحدثون على الفقهاء السابقين بل أكثر نظر المجامع في النوازل من القضايا التي أحدثت بسبب التطورات التقنية والعلمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. فمن هذه القضايا المعاصرة، مشكلة الاجهاض وهي قضية قديمة ولكن الجديد فيها شيوع الظاهرة واضطرار بعض الناس إليها وتنوع وسائلها. وكذلك مشكلة استزراع الاجنة واستئجار الأرحام ومثل هذه القضايا التي يصدق عليها قول بعض الأولين (يحدث للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) إن هذه القضايا وأمثالها لا يصلح لها إلا اجتهاد جماعي، يلتقي فيه رأي الفقيه العالم بالمقاصد الحافظ للنصوص، المتمرس في استنباط الأحكام، مع رأي المختص الذي يعين الفقيه في فهم المسألة وفي تحديد وتحرير الموضوع. فإذا اخذنا مسألة الإجهاض مثلا فإنها تشتمل على مسائل عديدة منها مايدخل في تفسير النصوص وأدواته واللغة والتراكيب ومعارضة النصوص بعضها مع بعض. ومنها مايدخل في علوم الحياة كتحديد الزمن الذي تنفخ فيه الروح وهل نفخ الروح هو بداية الحياة أم أن الحياة سابقة لنفخ الروح؛ ومتى تبدأ حرمة النفس المحرمة بالآية (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون)([1]). هل النطفة والعلقة داخلة في هذا، أم أن حرمة هذه النفس تبدأ بعد أن ينشأ خلقا آخر (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)([2])، وفي كل هذه المسائل الفرعية يكون علم الأجنة هاديا للفقيه بما يقدمه من جواب على هذه المسائل. وإذا قيل إن الإجهاض جائز إذا خيف على حياة الأم، فمتى يكون الخوف على حياة الأم متحققا ومتى يكون مظنونا؟ وأي تلك احوال يجوز معه الإجهاض وأيها يمنع فيه؟ هذه مسألة أوردناها على سبيل المثال لبيان التداخل بين العلوم وكون عالم الاجنة في هذه القضية محتاج إليه مثل الحاجة إلى عالم النصوص وفقيه اللغة.