أولهما: تفرغ كامل للعلم وصبر عليه وزهد في كمالات الحياة، أعانهم على صرف الأوقات في البحث والنظر دون التفات إلى مشاغل اكتساب الرزق والتوسع في مطالبه. ثانيهما: ان أنواع العلوم كانت محدودة ومعدودة بحيث يطمع المجتهد أن يلم بكثير منها، إذا امتد به عمر ولم تكن المستجدات العلمية قد تسارعت وتكاثرت على النحو الذي نراه في هذا العصر. لايزال أهل الاختصاص المعاصرون في قلق مستمر وإشفاق أن يكون قد صدر في المنشورات بحث مما يتصل باختصاصهم، يفوت عليهم الإلمام به. ولاتزال المؤتمرات العالمية تجمع المختصين لتبادل المعلومات والمناظرة في المسائل المستجدة ليطمئن الواحد منهم إلى من تكامل المعارف وضم الجهود والموازنة بين الآراء وحتى يخرج الاجتهاد الفقهي ثمرة نظر شامل من جميع الوجوه وترجيح بين المتعادلات من المصالح والمفاسد. وأصل اجتهاد الجماعي في الإجماع؛ وهو مصدر من مصادر الفقه الإسلامي معروف ويقوم على الشورى بين الفقهاء. ولكن الإجماع قد يشترط فيه إجماع أهل العلم، أما الاجتهاد الجماعي فينعقد بالأكثرية وتحقيقا لفكرة الاجتهاد الجماعي فقد نشأت في زماننا هذا مجامع للفقه الإسلامي في كثير من بلاد الإسلام وماهي إلا منابر يجتمع فيها أهل الفقه والاجتهاد ليورد بعضهم على بعض وليضم فيها الرأي إلى الرأي والقول إلى القول. ثم يكون من ذلك اجتهاد جماعي تكون حجيته أقوى من حجية قول الفرد. فهو بمثابة الإجماع وإن كان إجماعا لايلزم، لأن اجتهاد العلماء الأفذاذ تبقى حجيته ووزنه ولا يحجر على جمهور المسلمين أن يأخذوا بقول عالم مجتهد وإن خالف قوله اجتهاد المجمع أو المجامع، ففي ذلك توسيع على المسلمين. وأكثر المجامع تصدر عن تقريب وتوفيق بين الآراء المتعددة. وقد يخالف بعض أعضائها الرأي الذي يصار إليه ولكن العبرة بغلبة الآراء وبما يكون عليه أكثر أهل المجمع.