بسم الله الرحمن الرحيم مدخل الفقه هو فهم المسائل وتحريرها أولا ثم توجيهها وبيان موقعها من التشريع من حيث الجواز أو المنع أو الاستحسان أو الكراهة أو سواها. وقد كان فقهاؤنا وعلماؤنا الأوائل، يشترطون في الفقيه المجتهد شرائط لاتكاد في زماننا تتوفر لأحد، فقد تشعبت العلوم وتفرعت وتباعدت سواحلها وتعددت مواردها، فلو أراد طالب علم أن يلم إلماما كاملا بما يستجد في فرع من فروع اللغات أو مذهب من مذاهب التربية وعلم النفس لتعذر عليه، فضلا عن فروع الطب أو الأحياء والنبات وكثيرة من ذلك ربما لزم الفقيه في حال الإجابة على بعض المسائل التي يستلزم فهمها وتحريرها إلماما بهذه العلوم أو بمبادئها العامة على الحد الأدني . لقد كان البحث في قضية من قضايا الطهارة، يستدعي بين يدي الفقيه عدة مسائل تتعلق بعلم وظائف الأعضاء أو الفسيولوجيا؛ ليدرك ما هو معتاد وما هو غير معتاد وماهو مرضي وماهو عرضي، ليكون ذلك فرقانا له في بيان السلوك الواجب اتباعه في كل حالة من الحالات المختلفة. ولاشك أن المجتهدين من علمائنا كان أحدهم إذا عرضت له مسألة ورأى أن النظر فيها لا تكتمل أدواته إلا المام بمسائل أخرى عديدة، انصرف ليتعلم تلك المسائل العلمية في مصادرها أولا، ثم يورد على المبحث الفقهي كل شاردة من مسائل العلوم الأخرى المساعدة تناولها بعد ذلك من جميع جوانبها. وقد ساعد الفقهاء الأوائل على ذلك المنهج الموسوعي أمران: